بها عصمة النبي (ص) عن الذنوب ، وطاعة من تابعه في ساعة العسرة.
(مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) تخلّف عن النبي من تخلف ، وتبعه المؤمنون من المهاجرين والأنصار ، ولكن جماعة من هؤلاء عند ما قاسوا الشدة والقسوة في سفرهم انهارت أعصابهم ، وهمّوا أن يفارقوا الرسول (ص) ، ولكن الله سبحانه ثبتهم وعصمهم ، فصبروا واحتسبوا (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) مما كانوا قد همّوا به من مفارقة النبي (ص). والمراد بالتوبة هنا ان الله سبحانه يعاملهم معاملة من لم يهم بالذنب ، لأن من همّ بالسيئة ولم يفعلها فلا تكتب عليه (إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) لأنه علم منهم الصدق في ايمانهم ، والإخلاص في نياتهم ، وان ما همّوا به كان مجرد عارض لم يترك أي أثر.
(وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ٩) اتفق المفسرون والرواة على ان ثلاثة من مؤمني الأنصار تخلفوا عن النبي في غزوة تبوك كسلا وتهاونا ، لا نفاقا وعنادا ، وهم كعب بن مالك الشاعر ، ومروان بن الربيع ، وهلال بن أمية الواقفي .. ونترك الحديث عن هؤلاء لطه حسين ، فقد لخص ما اتفق عليه الجميع ودلت عليه الآية بأسلوبه المعروف ، قال في كتاب «مرآة الإسلام» :
«كان هؤلاء الثلاثة أشد ايمانا بالله ورسوله ، وأصدق حبا لهما من أن يضيفا الى تخلفهم خطيئة الكذب ، فآثروا الصدق وفاء لدينهم ، وإشفاقا ان يفضح الله كذبهم ، فاعترفوا بذنوبهم ، وسمع النبي منهم ، وأعلن انهم قد صدقوه ، ومع ذلك لم يعف عنهم ، وأمر المؤمنين ان لا يكلموهم. وينظر هؤلاء فإذا هم قد اقتطعوا من الناس اقتطاعا ، وإذا هم في عزلة بغيضة الى أنفسهم كان السجن أهون منها .. وفي ذات يوم أرسل النبي اليهم من يبلغهم انه يأمرهم ان يعتزلوا نساءهم ، وليس في هذا شيء من الغرابة ، فنساؤهم مؤمنات ، وقد صدر الأمر الى المؤمنين باعتزالهم ، فليعتزلهم نساؤهم أيضا ، وبعد ان مضت عليهم خمسون ليلة في هذه العزلة ، وقد أخذ الندم من قلوبهم أقوى مأخذ أنزل الله توبته عليهم ، وابتهج المؤمنون كلهم لذلك ، فكانوا يهنئون هؤلاء الثلاثة بتوبة الله عليهم. وقد فرح كعب ، وهو أحد الثلاثة فرحا شديدا ، وهمّ ان يتصدق بماله كله ، فأمره