أن يوصله المسلمون إلى مكان يأمن فيه على نفسه (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) ذلك اشارة إلى اجارة المسلم للمشرك ، وإسماعه كلام الله ، وإبلاغه مأمنه ، وقوله : (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) بيان للسبب ، وهو جهل المشركين المستجيرين بالإسلام وحقيقته.
وأفتى الفقهاء بأن للمسلم ان يؤمّن حين القتال آحادا من المشركين المقاتلين شريطة عدم المفسدة في الأمان بأن لا يكون المستجير جاسوسا ، ولا يتعطل الجهاد والقتال بأمانه.
(كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ). هذه الآية مكملة للآية الأولى والرابعة من هذه السورة ، فقد أوجب سبحانه في الآية الأولى نقض العهد مع المشركين الذين خانوه ولم يفوا به ، وهؤلاء الناكثون هم المعنيون بقوله تعالى هنا : (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ). وأوجب سبحانه في الآية الرابعة الوفاء بعهد المشركين الذين وفوا بالعهد ولم ينقصوا منه شيئا ، وهم قوم من كنانة كما أشرنا ، وهؤلاء الأوفياء هم المعنيون بالاستثناء في قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ). أي ابقوا معهم على عهد المهادنة والمسالمة ما بقوا عليه ، لأن الله يكره أهل الخيانة والغدر ، ويحب الأوفياء والأتقياء ، وقوله : عند المسجد الحرام يشير الى المكان الذي تم فيه الاتفاق مع كنانة ، لأن النبي (ص) عاهدهم مع من عاهد في الحديبية ، وهي قريبة من مكة المكرمة.
(كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ). ضمير يظهروا ويرقبوا يعود الى الناكثين ، وقد وصفهم عظمت صفاته أولا باللؤم والشراسة ، لأنهم لو قدروا على المسلمين لفعلوا بهم الأفاعيل في غير مراعاة لعهد ولا لانسانية ، ووصفهم ثانية بالنفاق وانهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، وثالثا وصفهم بالفسق ، وكل صفة من هذه الثلاث تقضي عليهم بأشد العقوبات ، وبإسقاطهم من جميع حقوق الانسانية ، لا من حق الوفاء لهم بالعهد فقط ، فكيف إذا اتصفوا بالرذائل الثلاث مجتمعة! وتسأل : ان الكفار كلهم فاسقون ، لأن الكفر فسق وزيادة ، فكيف استثنى سبحانه البعض بقوله : (وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ)؟.