(هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) أي انه جلت حكمته وهب عباده القدرة على السير فيهما ، والغرض من هذه الاشارة التذكير بفضله وأنعمه لنكون له من الشاكرين .. سبحانك اللهم ما أبين كرمك على من أرضاك وأغضبك .. ومن الطريف قول أبي بكر المغافري في أحكام القرآن : ان هذه الآية تدل على ان ركوب البحر جائز وغير محرم ، وأطال الكلام في التدليل على جواز ركوب البحر ... وذهل عن القاعدة الشرعية التي يعرفها الجاهل والعالم بأن التحريم يحتاج إلى الدليل ، وليس الجواز.
(حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ). الريح تؤنث وتذكر لأنه تعالى وصفها بالطيبة وبالعاصف ، وهذه الآية تدل على ان الإنسان قد جبل بفطرته على الإيمان بالله لرجوعه اليه عند الشدائد .. انظر تفسير الآية ٤١ من سورة الأنعام ، فقرة : الله والفطرة. وذكر صاحب المنار عند تفسير هذه الآية ما نصه :
«كان المشركون لا يدعون عند الشدائد الا الله ربهم ، أما الكثير من مسلمي هذا الزمان بزعمهم فإنهم لا يدعون الله عند الشدائد ، وانما يدعون الأموات كالبدوي والرفاعي والدسوقي والجيلاني والمتبولي وأبي سريع وغيرهم ممن لا يحصى عددهم ، وتجد من حملة العمائم الأزهريين وغيرهم ولا سيما سدنة المشاهد المعبودة الذين يتمتعون بأوقافها ونذورها من يغريهم بشركهم ، ويتأوله لهم بتسميته بغير اسمه في اللغة العربية كالتوسل وغيره». ومثله تماما في تفسير المراغي.
وقرأت في الصحف المصرية ان المصريين يرمون أوراقا في ضريح الولي يشكون اليه فيها من خصومهم ، ويرجون الميت أن يقتص لهم ممن ظلمهم وأساء اليهم ، ونقلت طرفا من هذه الشكاوى في كتاب «من هنا وهناك» ، أما تدفق الجموع على قبر الولي للاحتفال بمولده فندع وصفه لجريدة «الجمهورية» المصرية عدد ١ ـ ١١ ـ ١٩٦٨ : «مثل يوم الحشر كانت الزحمة ، كتل بشرية متلاصقة ومتدافعة كأنها أمواج متلاطمة : أو كحقل مزروع بالبشر».