(وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها). ان الله عادل يجزي من أساء بما يستحق ، ولا يظلمه مثقال ذرة ، بل ويعفو عن كثير ، لأنه كريم ، ولجوده وكرمه يضاعف لمن أحسن أضعافا كثيرة (وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) أي ترهق المسيئين ذلة الفضيحة وكسوف الخزي ، ولا أحد أذل وأخزى ممن يفتضح على رؤوس الأشهاد (ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) يمنع عنهم سخط الله وعذابه.
(كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ). بعد أن قال سبحانه : ان الذين أحسنوا لا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة قال : ان الذين أساءوا تسود وجوههم حتى كأنها قطعة من الليل البهيم. قال الإمام علي (ع) : ما خير بخير بعده النار وما شر بشر بعده الجنة ، وكل نعيم دون الجنة محقور ، وكل بلاء دون النار عافية.
(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) الذين أحسنوا والذين أساءوا (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ). يقف غدا للحساب في موقف واحد المشركون والذين كانوا يزعمونهم شركاء لله ، ويتقابلون وجها لوجه ليدلي كل فريق بحجته فتخيب آمال المشركين فيمن كانوا يأملون بهم ، ويرجون منهم النفع في هذا الموقف ، ويتبين لهم انهم كانوا على ضلال في شركهم وعنادهم لرسل الله وكتبه.
(فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) أي ان الله سبحانه يميز يوم الحساب بين جميع خلقه بصفاتهم التي هم فيها وعليها ، ويظهر كل واحد على حقيقته ، وعندها يتبين للمشركين انه لا أحد يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا ، وان الأمر لله وحده لا شريك له ولا ند (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) حين أوقف الله المشركين والذين يعبدون في موقف واحد ، وقابل بينهم وجها لوجه ، قال هؤلاء لأولئك : ما كنتم لنا عابدين ، وانما خيل ذلك إليكم ، وصوّرت لكم الأوهام ان لله شركاء واننا نحن أولئك الشركاء الذين لا وجود لهم الا في مخيلتكم ، فأنتم في الحقيقة تعبدون لا شيء ، ونحن شيء ، اذن لستم لنا بعابدين (فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) فهو يعلم انكم اخترعتم في أوهامكم شركاء لا وجود لهم ، وأيضا يعلم ببراءتنا من شرككم (إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) لا نعرف عنها شيئا ، وفيه إيماء الى نفي الأهلية عنهم للعبادة ، وانهم عبيد وليسوا بمعبودين.