الفعل المذكور ، ومثلها فأنّى تؤفكون. والمصدر المنسبك من أنهم وخبرها مجرور باللام المحذوفة ، والعامل حقت أي حقت كلمة ربك عليهم لعدم إيمانهم.
المعنى :
أركان الإيمان الحق عند الله ثلاثة : الوحدانية ، والنبوة ، والبعث ، وعرض القرآن ألوانا من الأدلة على هذه الأركان ، وسبق بيانها مفصلا ، والآيات التي نفسرها الآن والتي بعدها من هذا الباب ، لأنها وردت لإبطال الشرك وزعم المشركين بأن أصنامهم تقربهم من الله زلفى ، وانه لا بعث ولا حساب ، وان القرآن افتراه محمد على الله .. وفيما يلي إبطال هذه المزاعم:
١ ـ (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ). كل سبب من أسباب الرزق قريبا كان أو بعيدا لا بد أن يكون سماويا أو أرضيا ، فمن الأسباب السماوية المطر والضياء وغيرهما مما اكتشفه العلماء أو يكتشفونه في المستقبل القريب أو البعيد ، ومن الأسباب الأرضية النبات والحيوان والمعادن ، وجميع الأسباب ترجع الى الله وحده بواسطة السنن والنواميس الكونية ، لأنه تعالى هو خالق الكون ، والمشركون يعترفون بهذه الحقيقة ، ويقرون بأن الله هو الخالق الرازق .. وهنا يأتي السؤال ، ويرد عليهم هذا الاشكال : ما دمتم تعتقدون أيها المشركون بأن الله هو الخالق الرازق فكيف تجعلون له شركاء؟. وكيف يكون الشيء شريكا مع العلم بأنه لا أثر له على الإطلاق؟. وهل يصح أن تكون شريكي أيها القارئ ـ في تأليف هذا الكتاب ، وأنا الذي فكرت وصبرت وكتبت؟ .. وقد بسطنا القول في هذا الموضوع ، وذكرنا الأدلة الكافية على بطلان الشرك وفساده في ج ٢ ص ٣٤٤ عند تفسير الآية ٤٨ من سورة النساء.
٢ ـ (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) خص سبحانه هاتين الحاستين بالذكر لأنهما الوسيلة الأولى لتحصيل العلوم ، حتى النظرية منها ، لأنها تنتهي إلى الحس والمشاهدة. وقال الرازي عند تفسير الآية : «كان علي رضي الله عنه يقول : سبحان من بصّر بشحم ، وأسمع بعظم ، وانطق بلحم».