٣ ـ (وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) أي يملك الموت والحياة ، ومن أمثلة خروج الحي من الميت ما يأكله الحيوان ويمر بمعدته وامعائه وتجري عليه جميع عمليات التحليل ، وبالنهاية تتكوّن منه خلايا جديدة بدلا من الخلايا القديمة ، ومن أمثلة خروج الميت من الحي موت الخلايا التي يتخلص منها الجسم الحي بالتنفس والافراز. وتكلمنا عن الحياة عند تفسير الآية ٩٥ من سورة الأنعام ، فقرة : «من أين جاءت الحياة».
٤ ـ (وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) في الكون كله بما فيه ومن فيه (فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) الله وتخافونه فيما اخترعتم له من شركاء؟ .. انهم لا ينكرون ان الله وحده هو الذي يرزق ويملك السمع والبصر والموت والحياة والأمر كله ، ولكنهم يجعلون لله شركاء .. أما سر هذا التناقض فهو انهم نظروا الى الخالق نظرة موضوعية فآمنوا بأنه المكوّن والمصور ، ثم نظروا الى ما يقربهم منه زلفى نظرة عاطفية ذاتية فأخطأوا الواقع ، فبدلا أن يتقربوا اليه بالعمل والإخلاص اخترعوا له في أوهامهم شركاء ، وتقربوا بهم اليه.
(فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) أبدا لا واسطة بينهما اما حق وهدى واما باطل وضلال ، والله سبحانه هو الذي خلق السموات والأرض بالحق وفيهما أسباب الرزق ، وخلق السمع والبصر بالحق ، وهما طريق العلم : وهو يملك الموت والحياة بالحق ، وهذا الملك دليل القدرة والعظمة ، وهو يدبر الأمر بالحق ، وهذا التدبير يدل على العلم والحكمة .. فأي شيء بعد هذا الا الضلال والباطل والجهل والعناد (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) تاركين الحق الى الضلال ، والتوحيد الى الشرك.
(كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ). كذلك اشارة الى ما تقدم من انه ليس بعد الحق الا الضلال ، والمراد بكلمة ربك هنا العذاب كقوله تعالى : (وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ) ـ ٧١ الزمر» ، والمراد بالذين فسقوا المشركون ، والمعنى ان الله سيعاقب المشركين عقاب من عاند الحق ورفض الايمان به بحال من الأحوال ، لأن هذا هو شأنهم في الواقع ، فلقد دعوا الى التوحيد ، وقامت عليه عندهم الدلائل والبينات ، ومع ذلك أصروا على الشرك وماتوا عليه.