ولذا أمر الله نبيه محمدا (ص) أن يحتج بها على المشركين ، ويلقي عليهم هذا السؤال المحرج: هل يوجد واحد من أصنامكم هذه التي تعبدونها من يهدي الى الحق؟. وليس من شك انهم لم يجرءوا على الجواب لأن أصنامهم أحجار صماء نحتوها بأيديهم. وبما ان النبي (ص) يملك الدليل القاطع على ان الله يهدي الى الحق وجّه الله اليه هذا الأمر :
(قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ) دون غيره ، وهدايته ذاتية غير مكتسبة ، والدليل على ان الله يهدي الى الحق الرسل الذين أرسلهم الى عباده مبشرين ومنذرين ، والكتب التي أنزلها عليهم ، وفيها الآيات البينات التي ترشد الناس الى خيرهم وسعادتهم ، وهذا محمد يقابل المشركين والجاحدين وجها لوجه ، ويتحداهم بالقرآن الذي فيه تبيان كل شيء ، فأين هي رسل شركائكم أيها المشركون وكتبها؟. ولو كان لله شريك لجاءتنا رسله.
وتجدر الإشارة إلى أنه ليس الغرض من ذلك المقارنة بين الله جلت كلمته وبين الأصنام ، كلا .. وإنما القصد إيقاظ المشركين وتنبيههم إلى جهلهم وضلالهم عسى أن يؤوبوا الى رشدهم ، ويرجعوا عن غيهم.
(أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى). أحق هنا بمعنى حقيق وجدير ، و (أَمَّنْ لا يَهِدِّي) بتشديد الدال معناها لا يهتدي .. بعد أن ذكر سبحانه ان الله يهدي الى الحق ، وان غيره لا يهدي الى الحق ، بعد هذه المقدمة أوضح نتيجتها ، وهي ان الله وحده هو الذي يجب أن يتبع دون غيره ، وأشار الى هذه النتيجة بهذا السؤال الذي يحمل معه الجواب : أيهما يجب اتباعه والاهتداء بهديه : الله الهادي بذاته ، أم شركاؤكم التي لا تهتدي إلا بمعلم ومرشد؟.
وتسأل : ان مشركي مكة المخاطبين بهذا السؤال كانوا يعبدون الأصنام ، وهي أحجار لا تهتدي وان حاول المعلمون والمرشدون هدايتها ، فما هو الوجه لقوله تعالى : الا ان يهدى؟.
وأجاب المفسرون بأن هذا على سبيل الفرض ، أي لو افترض ـ جدلا ـ أن أصنامكم أيها المشركون تهتدي ان هديت فهي لا تصلح أن تهدي إلى الحق ،