ومن كان كذلك فلا يكون إلها .. والأولى في الجواب ان الآية وردت للرد على جميع المشركين ، لا على مشركي مكة فقط الذين يعبدون الأحجار بل عليهم ، وعلى من يعبد إنسانا أو ملكا من الملائكة ، وعلى هذا يكون معنى الآية ان كل من لا يهدي إلى الحق بذاته فهو لا يصلح للألوهية ، سواء أكان فاقد الأهلية والاستعداد للهداية كالحجر أم كان قابلا لأن يهتدي بواسطة المعلم والمرشد كالإنسان والملك. (فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) وتؤمنون بالخرافات والضلالات ، مع الأدلة الواضحة على فسادها وبطلانها؟.
(وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا) الضمير في أكثرهم يعود إلى المشركين ، وأخرج بعضهم ، لأن فئة من المشركين كانوا يعتقدون بصدق محمد ونبوته ، ويعلمون علم اليقين بأن أصنامهم ليست بشيء ، ولكنهم عاندوا وكابروا حرصا على منافعهم وامتيازاتهم ، أما الأكثرية الغالبة من المشركين فقد كانوا يعبدون الأصنام تقليدا للآباء .. وعبّر سبحانه عن عبادتهم لها بالظن مع انهم كانوا على يقين بأنها تضر وتنفع ، لأن يقينهم هذا لا يستند إلى أساس صحيح ، وكل يقين يستند الى التقليد وما اليه يجوز التعبير عنه بالظن ، وتكلمنا عن التقليد مفصلا في ج ١ ص ٢٥٩ عند تفسير الآية ١٧٠ من سورة البقرة.
(إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) ليس المراد بالظن هنا عدم القطع والجزم ، كما يبدو للوهلة الأولى ، وإنما المراد به الإيمان بأصل من أصول الدين ، أو بفرع من فروعه بلا دليل من العقل أو الوحي ، حتى ولو بلغ هذا الإيمان مبلغ القطع والجزم ، كتقليد المشركين في عبادة الأصنام ، والحاد الملحدين قبل أن ينظروا ويبحثوا عن سبب الكون ووجوده ، وما فيه من نظام وانسجام ، وهل كان بالصدفة أو بتدبير عليم حكيم؟.
وهذه الآية واضحة الدلالة على نفي القياس وبطلانه فيما يرجع إلى القضايا الدينية ، لأنه عمل بالظن الذي لا يغني عن الحق في أصول العقيدة ، وأحكام الشريعة.
أما القضايا الزمنية ، والشؤون الدنيوية فخارجة عن موضوع الآية. وكيف ينهى الله عن اتباع الظن في الزراعة والتجارة والعلاقات الاجتماعية؟ .. ولو وقف الناس في كل شيء عند العلم واليقين فقط لتعطلت الحياة .. أجل ، لا يجوز