لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ). تتفق هذه الآية مع الآية الخامسة من هذه السورة في فعل الشرط ، وهو (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) وتفترق في جواب الشرط ، فالجواب في السابقة (فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) أي دعوهم وشأنهم ولا تتعرضوا لهم بسوء ، والجواب في هذه الآية (فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) اي أنتم وهم سواء في الحقوق ، لا سيد ومسود ، وآكل ومأكول ، كما كانت الحال بين المشركين. ومع الاختلاف في جواب الشرط ينتفي التكرار ، على ان التكرار في القرآن غير عزيز.
(وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ). الايمان بفتح الهمزة العهود والمواثيق ، والإمام هو السيد والقائد ، وعبّر سبحانه عن قتال أهل الكفر بقتال أئمتهم لأنهم هم الذين يقودونهم إلى الحرب ، وينكثون العهد ، ويطعنون ويجرّؤون أتباعهم على الطعن في النبي والقرآن ، وقوله تعالى : (لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) يشير إلى ان القصد من القتال هو ردع المشركين عن الإصرار على قتال المسلمين : (وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا) ـ ٢١٧ البقرة».
(أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) ألا أداة طلب مثل هلا ، والخطاب موجه للمسلمين ، وضمير نكثوا وهموا وبدأوا عائد الى كفار قريش لأنهم عاهدوا رسول الله (ص) على ترك القتال عشر سنين ، يأمن فيها الفريقان على أنفسهم وحلفائهم ، وكان ذلك سنة ست للهجرة ولكنهم لم يلبثوا ان نكثوا العهد ، وايضا هم الذين هموا بقتل الرسول حتى اضطروه إلى الهجرة ، وهم الذين بدأوا القتال يوم بدر.
وبعد ان ذكّر سبحانه المسلمين بما فعل المشركون من نكث العهد ، وإخراج الرسول وبدء القتال ـ حثهم على الجهاد والقتال ، حيث لا رادع سواه ، ثم أذهب سبحانه الخوف من قلوب المسلمين بقوله : (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). وقوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) يشير إلى ان الخوف من الله حقا وواقعا لا يكون ولن يكون إلا ممن يؤمن بالله حقا وواقعا ، اما غيره فإنه لا يخاف الله إطلاقا ، وان خافه فخوفه خيال عابر. قال الإمام علي (ع) : «كل خوف محقق إلا خوف الله فانه معلول» اي ان خوف الإنسان من غير الله له واقع