ملموس ، أما خوفه من الله فلا واقع له ، وانما هو مجرد خيال يعبر ويزول بأدنى شاغل.
(قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ). هذه الأوصاف تناسب فتح مكة ، لأن الله أذل واخزى به صناديد قريش ، ونصر المسلمين ، وشفى صدور المؤمنين الذين استضعفهم جبابرة الشرك قبل الهجرة ، وأذاقوهم ألوانا من العذاب والتنكيل.
(وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). كانت مكة عاصمة الحجاز ، ومركز كل نشاط في الجزيرة العربية ، وكان سادتها يشهرون سيف البغي والإرهاب على كل من تحدثه نفسه بالانضمام إلى محمد (ص) ، وبعد أن فتحها انتشرت عليها ظلال الإسلام واستسلم أولئك السادة الطغاة ، بل ان بعضهم أسلم طوعا ، لا خوفا ، وظاهرا وواقعا ، وهؤلاء هم الذين تاب الله عليهم ، وأثابهم على إخلاصهم وصدق ايمانهم.
وبعد ، فإن كل حكم تضمنته هذه الآيات فهو خاص بمشركي العرب آنذاك ، لأنهم هم الذين أخرجوا الرسول (ص) وحاربوه وخانوا عهده .. وعلى افتراض انها توجب جهاد المشركين في كل زمان ومكان : فإن هذا الجهاد لا يجوز إلا بقيادة دولة اسلامية برئاسة المعصوم أو من ينوب عنه .. فأين هي الآن؟. وقد دعا اليها من دعا ، وألّف حزبا من أجلها بزعمه ، ثم تبين انه عميل ، فحوكم على عمالته وخيانته للأمة والوطن ، وتخلى عنه من خدع به من المغفلين ، ولم يعرف أين مكانه الآن .. أجل ، ان جهاد الإنسان ودفاعه عن حريته وماله ووطنه لا يتوقف على وجود دولة اسلامية ، ولا يحتاج إلى الإذن من المعصوم ، وغير المعصوم ، لأن الدفاع عن النفس والوطن ، ونضال المستعمرين والمستثمرين حق تقدسه جميع الشرائع والقوانين ، وأشرنا الى ذلك في ج ١ ص ٢٩٩ وج ٢ ص ٩٠ ، وعند تفسير الآية ٤٩ من الأنفال ، فقرة : هل الفدائيون مخربون؟.