(أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ). أولئك اشارة الى الذين انغمسوا في الدنيا وانصرفوا عن غيرها ، ولا جزاء لهم عند الله إلا عذاب الحريق (وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ). ضمير فيها يعود إلى الحياة الدنيا ، والمعنى ان جميع أعمالهم ليست بشيء عند الله ، حتى لو انتفع بها الناس ما دام القصد منها غير وجه الخير والانسانية.
والخلاصة ان من سلك سبيلا أدت به إلى غاياتها ونتائجها ، والعاقل من يختار لنفسه سبيل النجاة ، ولا تخدعه المغريات.
وبعد ان ذكر سبحانه من يعمل لحياة الدنيا منصرفا عما سواها ذكر من يعمل لله ، ويدعو اليه ، وهو على بينة من أمره ، وفيما يلي التفصيل :
١ ـ (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ). المراد به محمد (ص) ، وبينته من الله القرآن.
٢ ـ (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ). قال الطبري والرازي وأبو حيان الأندلسي وغيرهم من المفسرين : «اختلفوا في المراد من هذا الشاهد الذي يشهد لمحمد بالرسالة ، قيل : انه جبريل ، وقيل : لسان محمد ، وقيل : انه علي بن أبي طالب». والذين قالوا هذا استدلوا بحديث رواه البخاري في الجزء الخامس من صحيحه ، وهذا نصه بالحرف : «قال النبي (ص) لعلي : أنت مني وأنا منك ، وقال عمر توفي رسول الله (ص) ، وهو عنه راض».
٣ ـ (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً). لقد بشرت التوراة بمحمد ونبوته قبل ان يشهد له القرآن ، والتوراة كتاب الله أنزله على موسى ، وإمام يقتدى به في الأمور الدينية ، ورحمة لمن عمل بها قبل التحريف.
(أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ). ضمير به عائد الى محمد (ص) وأولئك اشارة الى الذين يتبعون دلائل الحق وبيناته ، كالقرآن وكتاب موسى كما نزل عليه ، وهؤلاء المشار اليهم لم يذكروا صراحة في الآية ، ولكنهم مذكورون فيها بأوصافهم (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ). المراد بالأحزاب من أجمعوا على عداوة رسول الله وحربه ، قال صاحب تفسير المنار والشيخ المراغي : «قال مقاتل : هم بنو أمية وبنو المغيرة بن عبد الله المخزومي وآل طلحة بن عبد الله ، ومن اليهم من اليهود والنصارى».