خارقا لجميع الأسباب المألوفة ، فيوجد بلا سببه المألوف كطوفان نوح ، وما اليه من المعجزات .. وقد شاء الله تعالى ألا تظهر هذه المعجزات الخارقة للنواميس الا بوجود نبي من الأنبياء اثباتا لنبوته ، أو استجابة لدعوته ، أو انتقاما من أعدائه .. ومن أجل ذلك كانت نادرة الوقوع. وبكلمة ان جريان الأشياء في هذه الحياة على أسبابها شيء ، والمعجزة التي تستند الى مشيئة الله مباشرة شيء آخر.
(قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ). هذا كذب منهم وبهتان ، لأن الله سبحانه ما أرسل رسولا إلا وزوده بالحجة الكافية الوافية على رسالته ، ولكن قوم هود أبوا الاستجابة له ولحججه وبيناته لأنها تخالف أهواءهم ، شأنهم في ذلك شأن غيرهم من أقوام الأنبياء والرسل: (كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ) ـ ٧١ المائدة».
(وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ) قال صاحب المغني : (عن) هنا للتعليل ، والمعنى لا نترك الشرك لمجرد قولك اتركوه بلا بينة ودليل (وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) هذا توضيح وتأكيد لقولهم : (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا). وعلى هؤلاء وأمثالهم يصدق قول من قال : الإنسان هو الذي خلق الآلهة ، وليست الآلهة هي التي خلقت الإنسان.
(إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ). ان قولهم هذا يصور مدى جهلهم وإيمانهم بالخرافات والأساطير .. أحجار صماء يعتقدون انها تضر من ينهى عن عبادتها! .. ومتى بلغ الإنسان هذا الحد من الجهل فلا يجدي معه شيء ، ولذا وصفه الله في العديد من آياته بالأعمى والأصم.
(قالَ) ـ لهم هود ـ (إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ). لما قالوا لهود (ع) : ان بعض آلهتنا أصابك بسوء تحداهم بأن يجتمعوا هم وآلهتهم ، ويبذلوا كل جهد لايذائه ، وهو على استعداد لتحمل النتائج ، ويتضمن تحديه هذا التنبيه الى انهم مغفلون ومخدوعون. (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ) هذا تعليل لعجزهم عن إيذائه واستخفافه بهم وبأصنامهم (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) فالكل في قبضته تعالى ، ولا يملك أحد معه لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)