ولما أمر قومه بنبذ الأصنام وعبادة الله وحده ، ونهاهم عن الاستغلال والكسب الحرام تهكموا به ، وقالوا : أصلاتك التي تصليها ، وتدل على السفه والحماقة أوحت اليك ان تأمرنا بترك التقاليد والعادات التي ألفها الآباء والأجداد جيلا بعد جيل ، وان تنهانا عن تحصيل المال كيف نشاء؟ (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)؟. أي هل انت عاقل في قولك هذا؟. وتتضمن هذه الآية الدلالات التالية :
١ ـ ان رسالة الأنبياء لا تنحصر بالدعوة الى اقامة الشعائر ، بل تشمل ايضا الحياة الاجتماعية ، وتحد من حرية الإنسان في تصرفاته ، وتقيده بعدم الاعتداء على غيره ، وتحجر عليه كل عمل يستلزم الإضرار بالفرد او الجماعة ، وأوضح دليل على ذلك قوله : «ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين».
٢ ـ لقد دلت الآية ان أشد الناس عداوة للأنبياء والمصلين هم الذين يجمعون المال بالخديعة والاحتيال ، ويتصرفون في مقدرات الناس على أهوائهم ، تماما كما تفعل شركات الاستغلال والاحتكار.
٣ ـ تدل الآية ايضا على ان للرأسمالية المتطرفة جذورا وأنصارا في التاريخ ، والشواهد على ذلك من الآثار لا يبلغها الإحصاء .. وهذه الرأسمالية تطلق للفرد الحرية الكاملة في تحصيل الثروة واستغلالها في مشاريع السلب والنهب ، وأوضح تعريف لها قول المترفين لشعيب : «او ان نفعل في أموالنا ما نشاء». فليس مرادهم بهذا ان ينفقوا أموالهم في المأكل والملبس .. كلا ، وانما مرادهم ان يستغلوا أموالهم في السيطرة على الناس ، والتحكم بأقواتهم.
وكما دل التاريخ على ان الإنسان قديم العهد بهذه الرأسمالية فقد دل أيضا على انه قديم العهد بالاشتراكية ، فقد جاء في دروس التاريخ للمؤرخ «ول ديورانت» : ان الباحثين قد عثروا على لوحة سومرية يرجع تاريخها الى ٢١٠٠ قبل الميلاد ، تقول : كانت الدولة هي التي توجه الاقتصاد القومي. وان في بابل سنة ١٧٥٠ قبل الميلاد كان قانون حامورابي يحدد أسعار كل شيء. وان في عصر البطالمة سنة ٣١٣ قبل الميلاد كانت الدولة تملك الأرض ، وتدير الزراعة ، الى غير ذلك.
والإسلام يرفض كلا من الاشتراكية والرأسمالية بمعناهما الشائع اليوم ، ويقر