يتجاهله. كيف؟ وهل ينفصل الشيء عن ذاته وهويته؟. والمحرك الأول لهذا الشعور هو المصلحة ، أي طلب اللذة ، وطرد الألم ، وهي المثل الأعلى للإنسان ، واليها يستند الدور الحاسم فيما يفعل أو يترك.
أما القرابة فليست بشيء يحرك الإنسان إذا لم تحقق له شيئا من اللذة ، أو تبتعد به عن الألم ، فحب الإنسان لقريب من أرحامه يقاس بهذه المصلحة ، وعلى نسبتها يضعف الحب أو يقوى ، وأوضح مثال على ذلك ان حزن القريب وأسفه على فقيد من أقاربه يأتي على مقدار نفعه منه في حياته ـ غالبا ـ ويصبح القريب من ألد الأعداء إذا تسبب في آلام قريبه ، أو أفسد عليه لذته وراحته .. فكم من والدة قضت على حياة وليدها لتشبع شهوتها (١) وتتمتع بلذتها؟. وكم من ولد استعجل ميراثه من أبيه فأودى بحياته؟. وقتل قابيل هابيل ، وهما أول أخوين انبثقا من نطفة واحدة ، وتكوّنا في رحم واحد .. وألقى أولاد إسرائيل يوسف في غيابة الجب ، ولم تأخذهم به رأفة على رغم القربى وصلة الدم.
ولذا قال علي أمير المؤمنين (ع) : «القرابة الى المودة أحوج من المودة الى القرابة» حتى المودة والصداقة مصدرها اللذة الروحية ، ولكن كثيرا ما يذهل الإنسان عن نفسه ، ويسهو عن واقعه ، فيشرح بمنطق القرابة ما يفعله بوحي من مصلحته.
وليس من الضروري أن تكون هذه المصلحة التي تحرك الإنسان شخصيته ، فإن المخلص الواعي يؤمن قولا وعملا بأن مصلحته فرع عن مصلحة الجماعة ، فيألم لألمها ، ويفرح لفرحها ، ويرى الخير ، كل الخير ، في احقاق الحق وإقامة العدل .. أما غير المخلص فلا يرى هما غير همه ، ولا حياة غير حياته ، تماما كما فعل أبناء إسرائيل بيوسف ، ليتمتعوا وحدهم بعطف أبيهم .. ولكن الله سبحانه عاقبهم بالحرمان ، وباءوا بغضب على غضب من الله ونبيه يعقوب ، وظفر يوسف بالعز والكرامة ، ووقفوا بين يديه أذلاء يعترفون بالذنب، ويطلبون
__________________
(١). قرأت في الصحف ان امرأة كانت مع عشيقها ، وطفلها الصغير نائم بالقرب منها ، ولما بكى أماتته خنقا ، وقرأت ايضا ان فتاة قتلت أبويها بالسم ، ولما سئلت قالت : أريد ان يخلو البيت لي ولعشيقي. وهكذا يرحل الدين والضمير والرحم إذا جاءت الشهوات.