«قال ارجع الى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ان ربي بكيدهن عليم. قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء» .. وآثر يوسف السجن لأنه على مرارته أحلى عاقبة من لذة الحرام ، ومهما اشتدت وطأة السجن فإن الدين أقوى منه.
وتسأل : إذا خيّر المرء بين الزنا والسجن ، ولا مفر له من أحدهما ، فهل يجوز له أن يزني؟.
الجواب : لا يجوز لأن الخيار وقع بين الزنا المحرم ذاتا ، وبين السجن الذي تقع تبعته على الظالم ، لا على المظلوم الا إذا كان السجن علة تامة لمحرم أشد وأعظم ، فيجوز حينئذ أن يزني دفعا لأشد الضررين ، وارتكابا لأخف المحذورين ، ولذا إذا خيّر بين الزنا والقتل فعليه أن يختار الزنا .. هذا في غير المعصوم ، لأن المعصوم له حكم آخر.
(وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ). لما كثر على يوسف الإغراء والتهديد خاف على نفسه أن تضعف في جنب الله ، ففزع اليه تعالى يطلب المخرج ، ويقول : إلهي لقد نزل بي ما لا طاقة لي به الا بمعونتك ، وأنت القادر على كشفه ، فإن لم تكشفه عني تضعف قوتي ، وتقل حيلتي (فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ) كما استجاب له من قبل وصرف عنه كيد اخوته ، وما أخلص عبد لخالقه الا جعل له فرجا ومخرجا : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) ـ ٤٧ الروم» (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) يسمع دعاء من تضرع اليه ، ويعلم اخلاص من أخلص له.
(ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ). ضمير لهم يعود الى العزيز وامرأته ومن على رأيهما ، وقيل : يعود الى العزيز وحده ، وصح بصيغة الجمع لأنه لم يذكر باسمه ، والمراد بالآيات الدلائل التي دلت على براءة يوسف ونزاهته ، و (حَتَّى حِينٍ) أي يسجن سجنا مؤقتا ، لا مؤبدا .. ولا ذنب له الا الطهر والعفاف ، ولو كان خائنا مثلهم لرفعوه مكانا عليا .. أبى يوسف ان ينصاع لرغبة المجرمين فعاقبوه كمجرم .. وهكذا في جميع أدوار التاريخ يعاني الحر الكريم إذا ألقى به القدر في بيئة الظلم والفساد ، ولكن الله مع الذين اتقوا