شيء تحت الستار .. ويصح هذا القول في الفاجرات ، لا العفيفات (أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً). أرادت أن تمكر بهن كما مكرن بها ، فأقامت لهن مأدبة في قصرها ، وحاطتهن بهالة من النعيم : متكآت وثيرة وأرائك مريحة ، وطعام سخي شهي ، وأعطت كل واحدة سكينا حادة لتقطع بها اللحم والفاكهة .. واستعمال السكين في الأكل آنذاك يومئ الى الحضارة. وفي تفسير الطبري ان السكاكين لا تدفع الى من دعي الى مجلس إلا لقطع ما يؤكل ، فذكرها يغني عن ذكر المأكول الذي قطعت به.
(وَقالَتِ) ـ ليوسف ـ (اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) من شدة الدهشة والذهول ، وقال المفسرون : قطعن أي جرحن ، ولكن الظاهر من القطع الابانة ، لا الجرح .. ومهما يكن فان مثل هذه الحادثة تفسر بالاجتهاد فيما تستدعيه ظروفها وملابساتها ، لا بالنص الحرفي لدلالة اللفظ (وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) في صورة البشر لهيبته وجماله الذي جر عليه أنواع البلاء والمحن.
(قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ). قالت هذا بلغة الحرية التي تطالب بها فئة من بنات الجيل الجديد ، حرية بلا مسؤولية ، حتى في التهتك والتفسخ .. ونحن من أنصار الحرية للرجال والنساء ، ولكن في حدود المسئولية عن الأقوال والأفعال (وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ) على المكشوف (فَاسْتَعْصَمَ) انصرف عني وأعرض (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ). قال صاحب «تفسير المنار» : «والله ما عجبي من يوسف ان راودته مولاته فاستعصم .. وانما عجبي بل اعجابي بيوسف (ع) ان نظره الى الله لم يدع في قلبه البشري مكانا خاليا لنظرات هذه العاشقة التي شغفها حبا». ونعطف على هذا القول ان الله سبحانه ضرب يوسف مثلا للمؤمن المخلص ليعرف به المؤمن المزيف الذي يكيف الدين حسب أهوائه وأغراضه.
(قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ). ليس المراد بأحب هنا التفضيل ، بل مجرد الاختيار ، تماما كقولك : الصحة أحب إليّ من المرض. وقال يدعونني بصيغة الجمع لأن النسوة اللاتي رأينه رغبن فيه أيضا بدليل الآية ٥٠