الانسانية فهي بريئة من هذا الرأي ، ان هذه النظرية الضيقة لا يمكن أن تكون صادقة ، فالإنسان ليس عبدا للجنس فقط ، وإنما هو عبد لأكثر من لذة ، لذة الجنس ، ولذة الحب ، ولذة الصداقة ، ولذة الجمال ، ولذة المعرفة ، ولذة السيطرة ، ولذة القوة ، ولذة الحرية ، والسعادة هي ائتلاف هذه اللذات في حياة منسجمة ، وفي نظرة رحبة واسعة الأفق».
والذي نراه ان الأحلام على أنواع :
«منها» ما هو انعكاس لعادات الإنسان وتفكيره ، كالفيلسوف يرى انه يناقش أفلاطون وأرسطو ، والمسلم يصلي في المسجد ، والمسيحي يصلّب في الكنيسة والفلاح يزرع ، والباني يبني ، وما أشبه ذلك. وهذا النوع واضح ولا يختلف فيه اثنان ، لأنه يحمل تفسيره معه.
و «منها» ما هو غريب عن حياة الحالم وتفكيره ، كرؤيا الملك البقرات والسنبلات .. وما هو فلاح ، ولا براعي بقر ، وجاءت رؤياه إنذارا بما حدث من الجدب بعد الخصب.
و «منها» ما يقع في اليقظة ، تماما كما رآه الإنسان في منامه دون زيادة أو نقصان .. وهذا نادر جدا ، ولكنه حدث قطعا ، وحتى الآن لم يهتد العلم إلى تفسير هذا النوع والنوع الذي قبله ، وقد يهتدي اليه في المستقبل القريب أو البعيد .. وفسرهما البعض بالصدفة .. وليس من شك ان الصدفة هي ملجأ العجزة ، وقال آخر : انهما نتيجة لحاسة في الإنسان نجهل كنهها .. وهذا أيضا من العجز.
وفي سنة ١٩٥٦ رأيت فيما يرى النائم المرحوم أخي الشيخ عبد الكريم ، وكان قد مضى على وفاته عشرون سنة ، وأخبرني عما سيحدث وعيّن الوقت ، فكان كما قال .. وبعد هذا بسنوات رأيت رؤيا فصدقت ، وكانت سوءا كالأولى ، فقلت لصديق لي مداعبا : ان رؤيا الشر تصدق ، دون رؤيا الخير .. وحين وصلت في التفسير الى أول سورة يوسف قرأت هذه العبارة للرازي : «اعلم ان الحكماء يقولون : ان الرؤيا الرديئة يظهر تفسيرها عن قريب» فتعجبت ، وتذكرت قول الشاعر البائس :
فإن أر خيرا في المنام فنازح |
|
وان أر شرا فهو مني مقرب |