(وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ). سبق ان يوسف حين دخل السجن دخل معه فتيان ، وان أحدهما رأى انه يعصر خمرا ، والآخر يحمل فوق رأسه خبزا ، فعبر لهما يوسف ما رأيا وأحسن التعبير حيث نجا الأول ، وصلب الثاني كما قال .. وهذه الآية تشير الى الذي نجا ، وقال له يوسف آنذاك : اذكرني عند ربك ، فأنساه الشيطان وصية يوسف ، ولما رأى حيرة الملك واهتمامه بتعبير رؤياه وعجز المعبرين تذكر يوسف ، فأخبر الملك عنه وعن صلاحه وعلمه بتعبير الرؤيا ، وقال : لو أرسلتني اليه أيها الملك لجئتك بالخبر اليقين.
(يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ). أمر الملك ساقيه أن ينطلق الى الرجل الصالح الذي حدثه عنه ، وان يقص عليه رؤياه ، ثم يأتيه بما يسمع منه ، فانطلق الساقي الى يوسف ، وبطبيعة الحال اعتذر له عن نسيانه ، بعد أن لقّبه بما هو أهل له من الصدق ، ثم نقل له رؤيا الملك بالحرف ليأتي التفسير على وفق النص (لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ). أي اخبرني عن التأويل لأنقله عنك الى الملك وحاشيته ، فيعلمون بفضلك ومكانتك ، فيخرجونك من السجن.
(قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ) قال يوسف للسائل مفسرا رؤيا الملك : تزرعون سبع سنين متوالية ، وتكون هذه السنين خصبة طيبة ، وهي المشار اليها بالبقرات السمان والسنابل الخضر ، كل سنبلة وبقرة ترمز الى سنة ، ثم نصح لهم يوسف ، وقال : كل ما تحصدونه من الزرع ادخروا سنابله ، ولا تدوسوه لأن القمح في سنابله يصان من السوس والرطوبة : أما الذي تريدون أكله فدوسوه ، مع مراعاة الاقتصاد والاكتفاء بما يسد الحاجة.
(ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ) أسند الأكل إلى السنين ، والمراد أهلها ، وهذا كثير في كلام العرب ، والمعنى ان السنين المخصبة تعقبها سبع سنين مجدبة ، يتجهم فيها وجه الأرض ، ولا تنبت شيئا ، فتأكلون كل ما ادخرتموه فيما مضى ، ولا يبقى إلا القليل للبذر (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ). أي يأتي بعد السبع