أَمِينٌ). بعد أن شهدت امرأة العزيز والنسوة على أنفسهن ، وعرف الناس جميعا ان يوسف منزّه عن الاغراض والعيوب ، بعد هذا رضي يوسف بالخروج من السجن ، وطلبه الملك ليكون زعيما في مملكته وعونا له على تدبيرها وادارتها. ولما اجتمع به ، وسمع منه وقع حبه واحترامه في قلبه ، وقال له فيما قال : أنت محترم عندنا ومؤتمن على كل شيء في الدولة ، وما قال الملك هذا إلا حين أيقن بمقدرته وعلمه وحكمته. وقيل ان يوسف كان عمره آنذاك ٣٠ سنة ، وفي «مجمع البيان» ان يوسف سلم على الملك بالعربية ، ولما سأله من أين لك هذا اللسان؟ قال : هو لسان عمي إسماعيل ، وفي تفسير المنار ان ملك مصر كان في عهد يوسف من ملوك العرب المعروفين بالرعاة «الهكسوس» (١) وقال الطبري ان هذا الملك كان اسمه الوليد بن الريان.
(قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ). بعد أن فوض الملك الأمر ليوسف في كل ما يريد ويختار من المناصب اختار الولاية على خزانة الدولة واقتصادها (٢) ، اختار هذه الولاية بعد أن خيّر ، ولم يطلبها ابتداء كي يقال : كيف طلب الولاية .. وعلى افتراض انه طلبها ابتداء فلم يطلبها لمصلحته الخاصة ، بل للصالح العام ، وليحفظ للمستضعفين حقوقهم وبالخصوص في سني القحط والمجاعة .. لقد علم يوسف ان البلاد مقبلة على بلاء وشدة ، فإذا لم يكن صاحب الخزانة حفيظا عليها عليما بشئونها ضاعت حقوق الناس بخاصة الفقراء والمساكين .. هذا الى أن المال عصب الأمة وحياتها ، فإذا لم يكن زمامه بيد الأكفاء علما وخلقا كان مصير الأمة الى الهلاك والدمار ، حتى في سني الخصب والرخاء.
أما إذا كانت مقادير الأمة بيد الأكفاء والأمناء فإنهم يقودونها الى خيرها وصلاحها دنيا وآخرة ، وقد نقل كثيرون ان يوسف حين تولى أمر الخزانة ، ورأى الناس من عدله وحسن تدبيره ما صان لكل ذي حق حقه آمنوا برسالته ،
__________________
(١). قرأت في جريدة «اخبار اليوم» المصرية تاريخ ٢٥ ـ ١ ـ ١٩٦٩ ان بعثة جامعة فيينا المكونة من ٦ من علماء الآثار أعلنت ان الهكسوس كانوا عربا.
(٢). في مصر يسمون وزير المالية بوزير الخزانة : وغير بعيد ان يكون مصدر التسمية قول يوسف : «اجعلني على خزائن الأرض».