حتى الملك آمن وشهد ان لا إله الا الله وان يوسف رسول الله ، قال إسماعيل حقي في «روح البيان» :
«قال مجاهد : أسلم الملك على يد يوسف ، وجمع كثير من الناس» ، وعقّب صاحب «تفسير البيان» على قول مجاهد بهذه الكلمة : «إذا كان الإحسان الى يوسف والإكرام له سببا للايمان والعرفان فما ظنك بمن آسى رسول الله (ص) وذب عنه ما دام حيا وهو عمه أبو طالب ، فالأصح انه ممن أحياه الله للايمان ، كما سبق في المجلد الأول». وسبق الكلام عن اسلام أبي طالب عند تفسير الآية ١١٣ من سورة التوبة.
(إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ). أحفظ المال من الإسراف والضياع ، وأعلم المستحقين له من غيرهم ، وأضع كل شيء في موضعه. وعن الإمام جعفر الصادق انه قال : يجوز للرجل أن يزكي نفسه إذا اضطر الى ذلك ، فلقد قال يوسف : «اجعلني على خزائن الأرض اني حفيظ عليم».
وفي بعض التفاسير : «لم يقل يوسف للملك : عشت يا مولاي ، أنا عبدك الخاضع ، كما يقول المتملقون للطواغيت ، وانما طالب بما يعتقد انه قادر على النهوض به من أعباء الأزمة ، وصيانة الأرواح من الموت ، والبلاد من الخراب .. فيا ليت المتملقين للطغاة يقرءون القرآن ليعرفوا ان الكرامة والاباء والاعتزاز يدر من الربح أضعاف ما يدر التمرغ والتزلف والانحناء». قال الرازي : روي ان الملك قال ليوسف : «أحب ان أشركك في كل شيء الا في أهلي والأكل معي. فقال له يوسف : لا آكل معك وأنا يوسف بن يعقوب بن اسحق بن ابراهيم الخليل».
(وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ). صبر يوسف على إلقائه في البئر ، وعلى بيعه في سوق العبيد ، وخدمته في بيت العزيز ، وعلى التهمة بالخيانة ، والسجن ، والأسر ، صبر على ذلك وأكثر من ذلك ، صبر واحتسب وتوكل على الله .. فما ذا كانت النتيجة؟. لقد خرج من السجن خروج الأبطال من معارك النصر .. خرج ليحكم في الأرض مطلق اليد مسموع الكلمة ، نافذ السلطان .. وهكذا يوفّى الصابرون