أن يقول للمشركين : هذه سبيلي وسنتي ، وحقيقتها ظاهرا وواقعا هي الدعوة الى الله عن علم وبالحجة والمنطق .. وليس من شك ان كل الأنبياء وأتباعهم المخلصين يدعون الى الايمان بالله واليوم الآخر ، واقامة الحق والعدل ، يدعون الى ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة ، ومجابهة الحجة بالحجة ، والفكرة بالفكرة على المنطق السليم الذي تعتمد عليه رسالة النبيين ، ودعوة المصلحين (وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ). هذا بيان وتفسير لدعوة محمد (ص) وانها منزهة عن الشرك بشتى معانيه.
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى). المراد بأهل القرى من يسكن الحضر دون البادية ، سواء أكان المصر الذي يسكن فيه الحضريون كبيرا ، أم صغيرا. وقال المفسرون : «تدل الآية على ان الله ما بعث امرأة على الإطلاق ، ولا رجلا من البدو لأن فيهم غلظة وجفاء» .. ذكر المفسرون جفاء أهل البادية ، ونسوا انهم أصدق لهجة ، وأصفى فطرة من أهل الحضر ، وأيضا نسوا اهتمام النساء بأحمر الشفاه وتبييض الخدود ، وعلى أية حال فان الله أعلم حيث يجعل رسالته .. أما الغرض من الآية فهو إلقاء الحجة على من أنكر رسالة محمد (ص) بأنه لم يكن الوحيد في رسالته ، فلقد كان الرسل من قبله رجالا مثله يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ، وكانت دعوتهم تماما كدعوته ، فكيف عجبتم أيها المشركون من إرسال محمد ، ولم تعجبوا من إرسال غيره؟ .. وتصلح هذه الآية جوابا للذين أشار اليهم سبحانه في الآية ٤١ من سورة الفرقان : (وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً).
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ). مر نظيره مع التفسير في الآية ١٣٧ من سورة آل عمران ج ٢ ص ١٥٩ (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ). وقوله للذين اتقوا من أوضح الدلالات على ان الطريق الى سعادة الإنسان في الآخرة هو العمل الصالح في هذه الحياة ، وأصلح الأعمال فيها ما يهدف الى خير الإنسان وهدايته ، وصيانة حقه وحريته من العبث والظلم.
(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ). دعا الرسل الأمم الى الله فلم يستجيبوا ،