فأنذروهم بعذاب أليم في الدنيا قبل الآخرة فسخروا واستهانوا .. وانتظر الرسل نزول العذاب على المستهزئين ، وطال أمد الانتظار الى حد يستدعي اليأس والظن بأن العذاب لن يأتي ، والوعيد به لن يتحقق. ولما بلغ أمد الانتظار هذا المبلغ جاء النصر للأنبياء ، وصدق الوعيد والتهديد ، ووقع العذاب على المجرمين ، ونجا الذين اتقوا لا يمسهم السوء ، ولا هم يحزنون .. فقاله تعالى : استيأس الرسل وظنوا الخ إن هو إلا كناية عن ألم الانتظار وطول مدته ، ومثل هذا الأسلوب في الكنايات والمبالغات كثير ومألوف في اللغة العربية ، وللمفسرين هنا أقول وآراء بعيدة كل البعد عن دلالة اللفظ وسياق الكلام ، بالاضافة الى أنها تزيد القارئ حيرة وتضليلا.
(لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ). الضمير في قصصهم يعود الى يوسف مع اخوته ، ومع امرأة العزيز والملك .. وقد بينا فيما سبق ان في قصة يوسف ألوانا من العبر والعظات ، وأهمها ان من ييأس من الناس ، ويعتمد على الله وحده فلا بد أن تكون عاقبته الى خير.
(ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ). ان كل ما جاء في القرآن هو حق وصدق ، ومنه قصة يوسف ، وقد جاءت على وفق ما أنزله الله على أنبيائه السابقين في الكتب السماوية مع العلم بأن محمدا لم يقرأها بنفسه ولم يسمعها من غيره ، هذا الى جانب ان في القرآن بيان العقيدة والشريعة ، وانه هدى لمن يطلب الهداية لوجهها ، ورحمة لمن يعمل بأحكامه ويتعظ بمواعظه .. وليس من شك ان الذين يتعظون بهدى الله هم (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) ـ ٨٢ الأنعام».