وقوله : (فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) ـ ١٥٣ النساء». وتقدم أكثر من مرة ان القرآن ينطق بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض.
(وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ). ضمير (هم) يعود الى المشركين ، والمعنى ان هؤلاء يجادلون في قدرة الله وعظمته ، وفي محمد (ص) ونبوته ، والبعث وإمكانه ، يجادلون ويكابرون مع ظهور الدلائل على قدرة الله ، والمعجزات الباهرة على نبوة محمد (ص) ونزول العذاب على من جحد وأنكر البعث والحساب (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) أي شديد القوة والبطش بأعدائه وأعداء أوليائه. وبالاختصار المشركون يجادلون بالقول ، والله يبطش بالفعل «ان بطش ربك لشديد».
(لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ). ان الله هو الحق ، فمن عمل له ، وتوكل عليه أجزل له الثواب ، ومن عصى وتمرد حق عليه العقاب ، ومن دعا غيره كالأصنام ونحوها فقد دعا باطلا وسرابا ، وحجرا وجمادا لا يضر ولا ينفع (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) تماما كالظامئ يحسب الدخان سحابا ، والسراب ماء ، فيمد كفيه ليملأهما بالماء ، ويفتح فاه ليشرب ويبرد من غلته ، وإذا بالآمال تتبخر الى حسرات وزفرات.
(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً). مر نظيره مع التفسير في الآية ٨٣ من سورة آل عمران ج ٢ ص ١٠١.
(وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ). الظل خيال الجسم الذي يلازمه ويتحرك بحركته ، تماما كصورة الشيء في المرآة ، وخص سبحانه الغدوات والعشايا بالذكر لأن الظل يطول ويمتد في هذين الوقتين ، والمعنى ان من في السماء والأرض يسجد لله ، وكذلك ظلالهما تسجد له.
وتسأل : ان الظل ما هو بشيء في ذاته ، واسمه يدل عليه ، وانما هو تبع لصاحبه ، ولذا يضرب المثل به على العدم واللاشيء ، فكيف جعله الله طرفا مقابلا لصاحبه ، وعطف أحدهما على الآخر.
وأجاب الصوفية بأن المراد بمن في السموات والأرض الأجسام ، وبالظلال الأرواح .. والذي نفهمه نحن ان الظلال كناية عن التعميم لكل شيء ، وان كل