المعنى :
(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ). ان الله سبحانه خلق الكون ، وللكون خصائص وسنن لها آثارها وظواهرها ، ومنها البرق والرعد والسحاب والصواعق ، وما الى ذلك مما يشاهده العالم والجاهل ، والمؤمن والملحد. ولا يعرف شيئا من حقائقها وطبيعتها الا أهل الاختصاص .. وأسندها سبحانه اليه ، ولم يسندها الى الأسباب الكونية المباشرة ، أسندها اليه من باب اسناد الشيء الى سببه الأول ، والغرض التذكير بأنه سبب الأسباب ، واليه وحده ترجع الأمور كلها.
وقوله تعالى : (خَوْفاً وَطَمَعاً) ، اشارة الى ان البرق قد يكون نذيرا بالصواعق ، وقد يكون بشيرا بالغيث ، فيخاف الإنسان من ذاك ، ويأمل بهذا في آن واحد. (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ). المراد بتسبيح الرعد ما فيه من الدلالة على قدرة الله وعظمته ، تماما كدلالة الكتابة على الكاتب ، والبناء على الباني ، وبهذا نجد تفسير قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) ـ ٤٤ الاسراء». أي يدل عليه ، وبتعبير ثان ان كل فعل حسن ومتقن فهو يدل على فاعله بطبعه ووضعه ، ويحمده ويثني عليه بلسان حاله .. وليس من شك ان كل ما في الكون متقن غاية الإتقان فهو يدل على خالقه بوضعه ويثني عليه بلسان حاله .. ومن الطريف قول بعض المتصوفة : ان الرعد صعقات الملائكة ، والبرق زفرات أفئدتهم.
(وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ). وتسأل : ان كلا من الصواعق والزلازل ظاهرة من ظواهر الطبيعة وسننها .. ومن الواضح ان الطبيعة عمياء لا تميز بين الأنبياء والأشقياء ، وتعم الجميع بخيرها وشرها ، لا فرق عندها بين أشد المكروبات فتكا وإيذاء ، وبين أكثر الناس عبقرية وصلاحا ، مع ان قوله تعالى : (فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ) ، يشعر بالفرق؟.
الجواب : المراد بالصواعق هنا العذاب الذي أنزله سبحانه على الذين أصروا على الشرك ، وعاندوا أنبياءهم ورسلهم كقوم عاد وثمود بدليل قوله تعالى : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) ـ ١٣ فصلت» ،