(أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) يحرسها ويراقبها ويحصي عليها كل شيء ويجازيها بالثواب ان أحسنت ، وبالعقاب ان أساءت ، أفمن يكون بهذه الصفات تجعل الأحجار شريكة له؟ .. (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) لا يشبهونه بشيء (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) ـ ١٧ النحل)؟ .. (قُلْ سَمُّوهُمْ) أي اذكروا أيها المشركون صفة واحدة لأصنامكم تستحق بها العبادة .. وهذا التحدي يشبه السخرية والتهكم ، تماما كما لو قال الجبان : أنا أشجع الشجعان. فتقول له : اذكر لنا شاهدا واحدا على شجاعتك.
(أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ). الله يقول : لا شريك لي. وهم يقولون له ، بل لك شركاء كثيرون .. ومعنى قولهم هذا في واقعه ان الله لا يعلم وهم يعلمون ، وانهم يخبرونه بشيء يجهله .. تعالى الله عما يصفون ، وبتعبير أهل المنطق إذا وجد الملزوم وجد اللازم ، وإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم ـ إذا وجدت الشمس وجد النهار ، وإذا انتفت الشمس فلا نهار ، وإذا انتفى النهار فلا شمس أيضا ظاهرا وواقعا .. وكذلك إذا وجد الشريك علم الله بوجوده حتما ، وحيث ان الله لا يعلم به فلا شريك ، والا يلزم جهله تعالى الله عن ذلك.
وانما خص سبحانه الأرض بالذكر مع انه تعالى لا شريك له في الأرض ولا في السماء ، لأن الحديث يتعلق بالأصنام ، وهي في الأرض لا في السماء.
(أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ). وضعت الكلمات لتدل على معنى موجود ، وأية كلمة لا تدل على ذلك فهي شيء في الظاهر ، ولا شيء في الواقع ، وكلمة شركاء الله من هذا الباب أسماء بلا مسميات : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) ـ ٢٣ النجم» ، ومرّ نظيره في الآية ٧٠ من سورة الأعراف ج ٣ ص ٣٤٨ ، والآية ٤٠ من سورة يوسف.
(بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ). معنى المكر في اللغة الخداع ، وقد خدع المشركون بالأصنام ، فظنوها شريكة لله في خلقه ، وزينت لهم أنفسهم هذا المكر والخداع (وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ) بالبناء للمجهول أي ان الذي زينته له أنفسهم صدهم عن الحق والايمان بالله ووحدانيته (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ). أنظر