المعنى :
(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ). سياق الكلام يدل على ان هذا خطاب من موسى (ع) لبني إسرائيل ، لا من محمد لمشركي العرب أو غيرهم كما قيل. والمعنى ان موسى قال لبني إسرائيل واعظا محذرا : لقد سمعتم بطوفان نوح ، وبالقواصم والعظائم التي حلت بعاد وثمود ، وكثير غيرهم مما لا يحيط علما بعددهم إلا الله .. فعل سبحانه بهم ذلك لأنهم عصوا الرسل وتمردوا على دعوتهم ، أفلا تعتبرون وتتعظون بالأمم الخالية؟. قال هذا موسى لقومه ، وأكثر من هذا ، ولكن إسرائيل هي هي أولا وآخرا.
(جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ). كل رسول من الله الى عباده لا بد أن يكون مزودا منه تعالى بحجة قاطعة تدل على انه موفد منه اليهم ، أشبه بالسفير يقدم أوراق اعتماده من دولته للدولة التي انتدب سفيرا لديها ، وعلى هذا يكون المراد بالبينات المعجزات الدالة على نبوة الأنبياء ورسالتهم (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) الضمير يعود الى قوم نوح ومن بعدهم ممن تقدم ذكرهم ، ورد اليد الى الفم كناية عن شدة الغيظ والإمعان في الاعراض ، ومثله : (عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) ـ ١١٩ آل عمران». (وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ). ارتاب المشركون أو أظهروا الارتياب في صدق أنبيائهم ، وكانوا من قبل يعترفون لهم بالصدق والإخلاص .. ولما ذا؟. لا لشيء إلا لأن الأنبياء دعوهم الى التزام الحق والعدل ، وترك الظلم والباطل .. وهذا هو بالذات منطق الانتهازيين قديما وحديثا .. ينكرون اليوم ما اعترفوا به بالأمس وبالعكس ، والسر يكمن في الأرباح والمكاسب ، فهم معها أينما كانت وتكون ..
(قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)؟. أجل ، انه لأعجب العجب أن يشكوا في موضع الايمان ، ويؤمنوا في موضع الشك .. لقد جحدوا بخالقهم ووحدانيته ، وآمنوا بالأحجار وعبدوها من دون الله ، وهي نحت أيديهم تبول عليها الكلاب والذئاب .. (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ). تعالى الله ما أكرمه وأحلمه .. يدعو عباده الى عفوه ورحمته ، ويتولون عنه إلى ما