يضرهم ولا ينفعهم (وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ولا يعجل العقوبة ، بل يمهلكم لتؤوبوا الى الرشد والهداية.
(قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) يدل هذا القول على مدى تفكيرهم ، وانهم يذهبون فيه الى ان الناس العاديين لا يحق لهم أن يتولوا القيادات والمناصب الرفيعة وان بلغوا من الإخلاص والصدق والتضحية أعلى المراتب (تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) .. فآباؤهم أعز عليهم من الله ، وتقليدهم على الضلال أحق وأولى من طاعة الله على الهدى ، حتى ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون.
(فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ). لقد أتاهم الرسل بالحجج البالغة ، والمعجزات الدالة على صدقهم ، ولكن المشركين أرادوا معجزات خاصة من النوع الذي أشار اليه سبحانه بقوله : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ) ـ ١٢ هود» ، وقوله (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً) ـ ٩٠ الأسراء». فهم يطلبون المعجزة ولكن من خلال البطون ، لا من خلال العقول.
(قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ). ان الله حكيم ، ولأنه حكيم وعليم فلا يمن برسالته إلا على من هو كفؤ لها يتحلى بالصفات والمؤهلات لحملها وأدائها : (قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ ، اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) ـ ١٢٤ الأنعام». (وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ). انظر تفسير الآية ٣٨ من سورة الرعد ، والآية ٣٧ من سورة الأنعام ج ٣ ص ١٨٤ ، والآية ١١٨ من سورة البقرة ج ١ ص ١٨٩.
(وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ). ونلخص المعنى ـ على وضوحه وغناه عن التفسير ـ بأن الرسل قالوا للمشركين : نحن نبلّغ عن الله ، وندعو اليه ، ولا نكترث بمن أدبر وتولى ، ولا نبالي بما يصيبنا من أذاكم في هذا السبيل ، لأننا على ثقة من ربنا ، وبينة من أمرنا ، وان دل هذا التساؤل : «وما لنا الا نتوكل على الله»