التي صارت في قرآن إسرائيل : «ومن يبتغ غير الإسلام دينا يقبل منه». وان كان المراد بالحفظ انه لا أحد يستطيع الطعن فيه فهذا خلاف الواقع.
وذكر الرازي والطبرسي عددا من الأجوبة ، ولكنها غير مقنعة. والذي نراه ان المراد بحفظ القرآن ان كل ما فيه هو حق ثابت وراسخ مدى الأزمان ، لا يمكن رده والطعن فيه بالحجة ، بل كلما تقدمت العقول والعلوم ظهرت أدلة جديدة على صدق القرآن وعظمته ، وهذا المعنى الذي فسرنا فيه حفظ القرآن تدل عليه أو تشعر به الآية ٤١ من فصلت (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ).
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ). الخطاب من قبلك لمحمد ، وشيع الأولين الأمم الماضية ، والمعنى ان شأن المشركين معك الذين كذبوك يا محمد ، وقالوا عنك انك لمجنون ، تماما كشأن المشركين السابقين ما جاءهم نبي إلا كذبوه وسخروا منه .. ومع هذا صبر الأنبياء السابقون على سفاهة أقوامهم وجهالتهم ، فاصبر وتأس بهم. والقصد من ذلك التخفيف والتسرية عن النبي الأعظم (ص). ومر نظيره في سورة الأنعام الآية ٣٤ ج ٣ ص ١٨٢.
(كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ). ضمير نسلكه يعود الى الذكر في الآية السابقة : «انا نحن نزلنا الذكر» ومثله ضمير به ، والمعنى ان القرآن لا يدخل في قلوب المجرمين دخول ايمان وتصديق ، بل دخول استخفاف وهزء ، وقوله : (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) بيان وتفسير لقوله : (نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) .. اما قوله : (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) فمعناه ان المكذبين اللاحقين كالمكذبين السابقين يدخل الباطل في قلوبهم دون الحق ، والضلالة دون الهداية. أما نسبة السلوك الى الله تعالى فهي من باب نسبة الشيء الى السبب الأول البعيد لا إلى السبب القريب المباشر ، وسبق التنبيه الى ذلك أكثر من مرة.
(وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ). طلب المعاندون من محمد (ص) في الآية السابقة ان