المعنى :
(وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ). ضمير قالوا يعود الى مشركي قريش ، وقد خاطبوا محمدا بالذي نزل عليه الذكر تهكما واستخفافا ، لأنه في منطقهم ومقاييسهم مجنون يهذي بغير المعقول ، وان كان رحمة للعالمين ، وتقدمت به الانسانية مئات السنين .. والقرآن أيضا من وحي الجنون ، وان كان معجزة المعاجز بعلومه وتعاليمه.
وهذا المنطق لا يختص بعبدة الأصنام ، ولا بالزنادقة والملاحدة ، فإنه يشمل كل من اتخذ من ذاته ومنفعته مقياسا للحق وميزانا للعدل ، حتى ولو قال : لا إله الا الله محمد رسول الله .. أبدا لا فرق بين هذا المسلم النفعي الذي اعترف لمحمد بالنبوة ، وبين المشرك الذي أنكر نبوة محمد ، لا فرق الا ان هذا المسلم آمن بمحمد نظريا ، وكفر به عمليا ، والمشرك أنكره قولا وعملا .. فالنتيجة من حيث العمل واحدة.
(لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ). هذا من قول المشركين للنبي (ص) ، وقد اشترطوا لايمانهم به أن تنزل عليهم الملائكة من السماء ، وتشهد لمحمد بالنبوة ، فأجابهم الله بقوله : (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ). وملخص الجواب ان الله ينزل ملائكته على الأنبياء والرسل للتبليغ ، ولا ينزلهم على المكذبين والجاحدين الا بالعذاب والهلاك ، كما فعل بالأمم الخالية ، ولو ان الله أجاب المشركين بإنزال الملائكة عليهم لهلكوا عن آخرهم. وسبق نظير الآية سؤالا وجوابا في سورة الأنعام الآية ٨ ج ٣ ص ١٦٤.
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ). المراد بالذكر القرآن. وقيل : ان ضمير له يعود الى محمد (ص) ، وان الله يحفظه من أعدائه ، وهذا خلاف ظاهر الآية ، فيتعين اعادة الضمير الى القرآن.
وتسأل : من أي شيء يحفظ الله القرآن؟. فإن كان المراد ان الله يحفظه من من التحريف كما قال أكثر المفسرين فبالأمس القريب طبعت إسرائيل ألوف النسخ من القرآن ، وحرّفت ما اشتهت من الآيات ، منها الآية ٨٥ من سورة آل عمران