مِنْ طِينٍ) ـ ٢ الأنعام» ، والطين هو الماء والتراب وليس بحقيقة ثالثة. والآية التي نحن بصددها تقول : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ). والصلصال طين يابس. والحمأ طين متغير الى السواد ، والمسنون طين يمكن تكييفه بسهولة. والطين بشتى أنواعه ماء وتراب فأصل الإنسان الأول ماء وتراب ، خلق الله منهما أبا البشر ومنحه الحياة.
(وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ). أنكر جماعة وجود الجن ، وفسر بعض المؤمنين الجن المذكور في القرآن ، فسره بالمكروب الذي لا يرى بالعين ، أي أخذا بالمعنى اللغوي من جن الشيء إذا استتر عن الأعين. وقال آخرون بوجود الجن ، وألفوا كتبا في عدد نفوسهم وبلادهم وعاداتهم وشعرائهم ورؤسائهم ، وزواج الانس منهم وزواجهم من الانس ، ونحن نؤمن بوجود الجن ، لا لشيء إلا لأن الوحي أثبته ، والعقل لا ينفيه ، ولا نصدق أحدا يدعي رؤية الجن أو يتصل بهم ، ولا نقبل أي حديث عنهم إلا إذا نطق الوحي به صراحة. وقد صرحت هذه الآية والآية ١٥ من الرحمن ان الله خلق الجن من النار. لذا نحن نؤمن بأن أصل الجن من نار ، ولكن أي نار ، وكيف كان الخلق؟ الله أعلم. وقرأت فيما قرأت ان علماء الاختصاص اكتشفوا نوعا من الحشرات لا تحيا إلا بالهواء السام ، ونوعا آخر لا يحيا إلا في آبار البترول والمواد الملتهبة.
وعليه فمن الجائز أن يكون في كوكب الشمس أحياء تتفق في تكوينها مع حرارة الشمس ، كالسمك في الماء ، وتلون الفراشة بلون الوردة ، والسلحفاة بلون الصحراء.
(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً). قال الله هذا للملائكة ، وقال له الملائكة أيضا : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟. وغرضنا من الاشارة الى قول الملائكة التنبيه الى ما ذكرناه عند تفسير الآية ٣٠ من سورة البقرة من ان الله سبحانه قد أفسح لهم مجال السؤال والحوار الذي يشبه الاعتراض ، ثم أفهمهم الحقيقة ، وتلطف في جوابهم .. فعسى أن يتعظ بهذا من يرى نفسه فوق أن يراجع في شيء من أقواله لمكانته العلمية ومنزلته الاجتماعية. أنظر المجلد الأول ص ٨١.