وثالثة بأنه ساحر ، وغرضهم الأول تضليل الناس عن الحق الذي يكشف عن عيوبهم ، ويظهرهم على حقيقتهم .. وقد ذكر الله سبحانه هؤلاء الذين يصدون عن سبيل الله في العديد من آياته ، ووصفهم تارة بأنهم يبغونها عوجا ، وأخرى بأنهم يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم. وهددهم سبحانه في الآية ١٣ من سورة العنكبوت بقوله : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) وفي معنى هذه الآية الآية التالية :
(لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ). لقد ضلوا وأضلوا ، وبضلالهم يحملون ذنوبهم كاملة أي لا يغفر الله منها شيئا ، وباضلالهم يحملون الكثير من ذنوب الذين أضلوهم وأفسدوهم. وفي الحديث : «أيما داع دعا الى الهدى فاتبع ـ أي تبعه الناس على ضلاله ـ كان له مثل أجر من اتبعه لا ينقص من آثامهم شيء». فيزاد في عذاب التابعين.
(قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) أتى الله على حذف مضاف أي أتى أمر الله بنيانهم ، وهو الهلاك ، والمراد بالبنيان والقواعد والسقف تشبيه أعمالهم بذلك ، والمعنى ان المشركين الأول دبروا المكائد والحيل ضد أنبياء الله ورسله ، فأبطلها الله جميعا ، بل كانت السبب في هلاكهم ودمارهم ، تماما كالذي بنى بيتا وأحكم بنيانه وقواعده ، حتى إذا سكنه واطمأن فيه انهار عليه من الأساس ، وأصبح أعلاه في أسفله. وهذه هي بالذات نهاية كل من عاند الحق ، وبث ضده الافتراءات والدعايات الكاذبة ، سواء أجاء الحق على لسان محمد (ص) أو لسان غيره.
(ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ). المراد بالخزي هنا عذاب النار : (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) ـ ١٩٢ آل عمران» (وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِم). القائل هو الله ، والمقول لهم المشركون ، وتشاقون فيهم معناه تخاصمون في شأن الأصنام ، لأن المشركين كانوا يعبدونها ويدافعون عنها ، ويخاصمون من يشتمها أو يذكرها بسوء ، ويقولون : انها تشفع لنا ، وتقربنا من الله زلفى ..