الجواب : أجل ، ان هذا السؤال او الإشكال محكم ، ولا مفر منه لو أريد بالآية العموم والشمول ، اما لو أريد بها واقع معين فلا يتجه الإشكال من الأساس ، وسياق الكلام الذي قبل الآية وبعدها يدل بوضوح على ان الضمير في ليعذبهم عائد الى خصوص المنافقين الذين كانوا في عهد رسول الله (ص) ، وبصورة أخص المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك ، وكانوا بضعة وثمانين رجلا ـ كما قيل ـ وفيهم من له الكثير من الأموال ، والعديد من الأولاد .. وكيلا يقول قائل : كيف يكون هؤلاء من القوم الفاسقين وقد أنعم الله عليهم بالمال والبنين ، كيلا يقال هذا قال سبحانه : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا). وقد عذب الله أولئك المنافقين بأولادهم ، لأن أبناءهم اعتنقوا الإسلام وأخلصوا له على العكس من آبائهم ، ولا شيء أشد حسرة على الوالد من أن يكون ولده على غير دينه وعقيدته .. فلقد أسلم ابن عبد الله بن أبي ، وعرض على النبي (ص) أن يقتل أباه عبد الله كبير المنافقين فرفض النبي (ص).
وأيضا عذبهم الله بأموالهم ، لأنهم كانوا على يقين انها ستئول من بعدهم الى الذين هم على غير دينهم وطريقهم .. فالآية مختصة بالمنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله (ص) ولا تتعدى الى غيرهم ، وبهذا يتبين انه لا وجه لما ذكره المفسرون من أن الله عذبهم بالأموال لأنهم قد تعبوا في جمعها ، وعذبهم بالأولاد لأنهم يتألمون لمرضهم وفقدهم .. وبديهة ان هذا الألم ، وذاك التعب لا يختصان بالمنافقين ، بل يشملان كل ذي مال وأهل.
(وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) أي يموتون على الكفر ، فيعذبهم الله بكفرهم في الآخرة ، كما عذبهم بأموالهم في الدنيا على النحو الذي ذكرنا. قال الطبرسي في مجمع البيان : ان ارادة الله تعلقت بزهوق أنفسهم ، لا بكفرهم ، وهذا كما تقول : أريد أن اضربه ، وهو عاص ، فالارادة تعلقت بالضرب ، لا بالعصيان.
(وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ). وأية جدوى لهم في هذا الحلف ، وقد شهد الله بأنهم أسلموا خوفا ، لا اقتناعا (وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) والفرق الخوف والرعب ، وقد امتلأت به قلوب المنافقين من قوة المسلمين (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ). أي يسرعون لا يرد