مع البذل عن رضا؟.
الجواب : لأنهم ما أرادوا بالبذل عن رضا وجه الله ، وانما أرادوا الشهرة والجاه ، ولا فرق بين البذل عن رضا لهذه الغاية ، وبين البذل عن كره خوفا ان ينكشفوا على حقيقتهم ، لأن كلا منهما لغير الله ، ومن أجل هذا خاطبهم الله بقوله : (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ). ووصفهم بالفسق يشير الى ان الفسق هو العلة لعدم القبول ، ويعبّر الأصوليون عن هذا وأمثاله بمناسبة الحكم للموضوع.
(وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ) لقد بذل المنافقون أموالهم لا لشيء الا ليقال : انهم بذلوا لله ، وهم به كافرون .. وهذا النفاق والرياء هو السبب في عدم قبول ما يبذلون ، ولو أنفقوا لوجه الانسانية فقط ، كالملحد يطعم جائعا بدافع الشفقة والرحمة لأمكن القول : هل جزاء الإحسان الا الإحسان ، أما النفاق فهو سوء ، ومن يعمل سوءا يجز به .. راجع ج ٢ ص ٢١١ فقرة «الكافر وعمل الخير».
(وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ) وهذه الحال نتيجة حتمية للكفر ، لأن الصلاة لله والإنفاق في سبيله فرع عن الايمان به.
(فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا). وتسأل : ان الأموال والأولاد قد تكون سببا لعذاب الآخرة ، فقد اشتهر أناس بالوداعة والصلاح ايام بؤسهم ، حتى إذا آتاهم الله من فضله طغوا وبغوا .. قال تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) ـ ٦ العلق» ، وقال : (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) ـ ٢٨ الأنفال» .. أما ان تكون الأموال والأولاد سببا لعذاب الدنيا فالأمر على العكس عند الناس بخاصة المال الذي بحثوا عنه تحت الأرض وفي اعماق البحار ، وحين تقدم العلم أخذوا يبحثون عنه في كوكب القمر وغيره .. هذا ، الى ان قوله : (لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) لا يتفق مع قوله (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) ـ ٤٦ الكهف). وعلى افتراض ان الأموال والأولاد سبب العذاب في هذه الحياة فإن هذا العذاب لا يختص بالمنافقين وحدهم ، بل يعم الناس أجمعين بطبيعة الحال؟.