القبر للدعاء عبادة مشروعة». ولا يختلف احد من فقهاء المسلمين في ان الدعاء للأموات يجوز شرعا ، تماما كالدعاء للأحياء ، بل الأموات أحوج ، ما دمنا نعتقد بالبعث وحسابه وعقابه ، ولا فرق بين أن يكون الدعاء على القبور ، أو على غيرها.
أما زيارة القبور فقد أجمع الفقهاء على جوازها ما عدا أئمة الوهابية .. وقد روى السنة في ثلاثة كتب من صحاحهم أحاديث تنطق صراحة بالجواز ، قال مسلم في صحيحه القسم الثاني من الجزء الأول ، باب استئذان النبي (ص) ربه في زيارة قبر أمه : «زار النبي (ص) قبر أمه ، وقال : استأذنت ربي في زيارة قبر أمي ، فأذن لي ، فزوروا القبور فإنها تذكر بالموت». وقال ابن حجر العسقلاني في ج ٣ من كتاب فتح الباري بشرح البخاري ، باب زيارة القبور : «أخرج مسلم عن النبي (ص) انه قال : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها» .. وزاد أبو داود والنسائي ـ وهما من أصحاب الصحاح ـ فإنها تذكرة الآخرة ، وللحاكم من حديث عن النبي : وترق القلب ، وتدمع العين ، فلا تقولوا هجرا .. وتزهد في الدنيا».
وتكلمنا عن ذلك في كتاب : هذه هي الوهابية. ثم عقدنا فصلا بعنوان زيارة القبور في كتاب ، من هنا وهناك. أما حساب القبر فقد تكلمنا عنه في المجلد الأول من هذا التفسير ص ٤٠٧ عند تفسير الآية ٢٥٩ من سورة البقرة. وقد نعود ثانية الى هذا الموضوع عند الاقتضاء.
(وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ). تقدم نظيره في الآية ٥٥ من هذه السورة ، وقال المفسرون : إنما أعاد سبحانه تأكيدا للتحذير من الإعجاب بالمال والولد والاشتغال بهما ، وقلنا أكثر من مرة : ان التكرار في القرآن غير عزيز.
(وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ). وأولو الطول هم الطغاة المترفون الذين يتفادون كل ما يمس مصالحهم من قريب أو بعيد .. والإيمان بالله معناه المساواة بينهم وبين سائر الناس ، والجهاد مع رسوله معناه الجهاد ضد البغي والفساد ،