والمفهوم من صحيحة على بن مهزيار المذكورة ان الخلاف في هذه المسألة كان في ذلك الوقت ايضا ، بل ظاهرها ان التقصير ربما كان أشهر يومئذ حيث نقل عن فقهاء أصحابنا يومئذ انهم أمروه بالتقصير ما لم ينو مقام عشرة أيام.
ويؤيده ما رواه جعفر بن محمد بن قولويه في كتاب كامل الزيارات (١) عن أبيه عن سعد بن عبد الله قال : «سألت أيوب بن نوح عن تقصير الصلاة في هذه المشاهد : مكة والمدينة والكوفة وقبر الحسين عليهالسلام الأربعة والذي روى فيها؟ فقال انا اقصر وكان صفوان يقصر وابن ابى عمير وجميع أصحابنا يقصرون».
وأجاب شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار عن خبر أيوب ابن نوح المذكور بأنه لا ينافي التخيير فإنهم اختاروا هذا الفرد. وعندي في هذا الجواب نظر لانه وان سلم انه لا ينافي التخيير كما ذكره لكنه ينافي أفضلية الإتمام التي دلت عليها أخبار التمام ورغبت فيها وحثت عليها وصرحت بأنه من المذخور والمخزون في علم الله سبحانه ، ومن البعيد كل البعيد أن يرغب عنه هؤلاء الأفاضل مع ثبوت هذه الفضيلة بل جميع أصحابنا كما نقله أيوب بن نوح.
والذي يظهر لي ان هذا الخبر ونحوه من الأخبار الآتية الدالة على التقصير في هذه الأماكن إنما خرجت ناصة على تحتم التقصير وتعينه مع عدم نية الإقامة وانه لا يسوغ الإتمام إلا بنية الإقامة ، فما أجاب به أصحاب القول المشهور عن اخبار القصر ـ من انها لا تنافي بينها وبين أخبار التمام بحملها على اختيار أحد الفردين كما ذكره شيخنا المشار اليه هنا ـ ليس في محله.
ويرشدك الى ذلك حكاية على بن مهزيار فإنها تعطى ان الاختلاف واقع في تلك الأيام وان اختلاف الرواية عنهم (عليهمالسلام) إنما هو في تعين القصر وتحتمه في هذه المواضع كغيرها من سائر البلدان ، إذ لو كان التخيير ثابتا يومئذ مع أرجحية التمام كما هو القول المشهور لما أشار عليه فقهاء أصحابنا يومئذ بالتقصير مع عدم نية الإقامة بل لا أقل ان يقولوا له أنت مخير ولما ضاق ذرعا بذلك
__________________
(١) مستدرك الوسائل الباب ١٨ من صلاة المسافر.