لأعلى المعارف الإلهية وأسناها وكل مقدّس ديني ـ كالحجر الأسود مثلا ـ إذا استهين به يرفعه الله تعالى بلا فرق بين أمة وأمة أخرى ، ولم يلاق المسلمون ما لا قوه إلا من جهة استهانتهم بالقرآن الكريم وما أنزله الله تعالى وقد ورد في بعض الأخبار «لتتبعنّ سنن من قبلكم باعا فباعا حتّى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» وتشهد به التجربة أيضا وسيأتي في البحث الروائي ما يتعلّق بالتابوت.
ويستفاد من الآية الشريفة : أنّ بني إسرائيل لم يقتنعوا بما احتج به نبيهم عليهم فجعل لهم علامة تدل على أنّ طالوت مختار من قبل الله تعالى ومؤيد منه وستتحقق به أمانيهم وترد إليهم عزّتهم وشوكتهم ووحدتهم فيكون التابوت من أدلة صدق ذلك الملك كما هو كذلك في جميع الدّعاوى ، لأنّ نسبة التابوت في أمة موسى (عليهالسلام) كنسبة المقدّسات الدينية في سائر الأديان السّماوية فإذا ظهر على يد أحد وهو يعمل بما فيه يكون ذلك دليلا على صدقه.
قوله تعالى : (فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ).
السكينة : من السكون ، ويراد منها ما تسكن إليه النفس فقد تكون موهبة ربانية كالحكمة توجب سكون النفس وقوة العزيمة تنبث على الجوارح والجوانح فتصدر الأفعال والأعمال وفق الحكمة والشريعة قال تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) [الفتح ـ ٤].
وقد تكون السكينة مكتسبة مما أنزله الله تعالى من الأحكام والمعارف ، لأنّها توافق الفطرة فتطمئنّ النفس إليها وتبتعد عن الاضطراب والشكوك والأوهام.
وكان التابوت يشتمل على ألواح موسى (عليهالسلام) وما أنزل الله تعالى على أنبياء بني إسرائيل وقد رأوا منه العجائب والغرائب في حياتهم في سلمهم وحربهم ، فأوجب فيهم السكينة واطمينان القلب وربط الجأش وغيرها