وفيه بشارة للصابرين بالجزاء الجميل وتلقين الجنود الصّبر والثبات عند تقلب الأحوال وتوارد الأهوال فتزداد شوكتهم وتشتد عزائمهم.
٢٥٠ ـ قوله تعالى : (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ).
مادة (برز) تأتي بمعنى : الظهور في الفضاء ، والظهور من الأمور الإضافية ، له مراتب كثيرة ، وهو إما تكوينيّ كقوله تعالى : (وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً) [الكهف ـ ٤٧] ، أو اختياري كقوله تعالى : (فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ) [النساء ـ ٨١] ، ومنه مبارزة الصفوف للقتال ، والمقام منه أو تسخيري مثل قوله تعالى : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) [ابراهيم ـ ٤٨].
والإفراغ : الصب السيال بحيث يخلو المحل منه ، وأصل الفراغ الخلو ، شبّه الصّبر بالماء الذي في وعاء وهو كناية عن كمال الصّبر ونهايته ، فطلبوا إفراغه عليهم.
والمراد منه : إفاضة الصّبر عليهم بتمامه.
والتنكير فيه لأجل شمول أنحائه من القتل والجرح والجوع وفراق الأهل والأحبة وغير ذلك.
ومادة (ثبت) في أي هيئة استعملت تدل على اللزوم والاستقرار فهي ضد الزوال والمحو في جميع استعمالاتها وهي كثيرة في القرآن الكريم قال تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) [الرعد ـ ٣٩] ، وقال تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) [الإسراء ـ ٧٤] ، وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) [محمد ـ ٧] ، وقال جلّ شأنه : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) [ابراهيم ـ ٢٧] ، إلى غير ذلك مما هو كثير في القرآن والسنة الشريفة والعرف ، والمراد به الاستقامة في الحق.
وثبوت الأقدام الذي هو الفاصل بين الإنسان وغيره والاستقامة من أعلى منازل السالكين إلى الله عزوجل ، وهي أول مقامات السير في الربوبيّة