وقيل : إن استعمل مع (أنّ) المؤكدة يكون بمعنى اليقين ، ويمكن أن يكون ذلك قرينة.
وهو في المقام : بمعنى اليقين ، والقرينة على ذلك ملاقاة الله تعالى أي : غلبهم الشوق إلى لقاء الله تعالى واستيقنوا بالموت الذي يرفع به الحجاب عنهم وعن ملاقاة ربّهم فيجازيهم.
وهذه هي الطائفة التي لم تطعم من الماء ولم يغترفوا منه.
قوله تعالى : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ).
الفئة : الجماعة المتظاهرة التي يرجع بعضهم إلى بعض.
والإذن بالنسبة إليه عزوجل : يستعمل في العلم والقدرة والإرادة ، والأولان من صفات الذات والأخيرة من صفات الفعل ، فيستعمل الإذن في كلّ من صفات الذات وصفات الفعل وإن كان استعماله في الإرادة أغلب.
والعلم والقدرة والحكمة وإن كانت مفاهيم مختلفة لكنها بالنسبة إليه تعالى ترجع إلى شيء واحد ، لأنّ علمه جلّ شأنه عين ذاته الأقدس ، وقدرته العليا ترجع إلى علمه وكذا الحكمة ، وأما إرادته فإنّها عين فعله والفعل منبعث عن العلم والحكمة ، فيرجع الجميع إلى شيء واحد ، والفرق بينها في القرآن العظيم يستفاد من القرائن التي منها سياق الآية المباركة بملاحظتها مع نظائرها.
ويستفاد من الآية الشريفة : أنّ كثرة الجنود أو القوى الدافعة ليست بأنفسها منشأ للغلبة ، بل هي من بعض الأسباب الظاهرية والسبب الحقيقي إرادة الله جلّت عظمته ، والأدلة العقلية والنقلية ، بل التجربة تدل على ذلك ، وفي الكلام احتجاج على الخصم لإقناعه ببيان بعض المصاديق.
قوله تعالى : (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).
وعد منه عزوجل بالمعية مع الصابرين ، وهذه المعيّة معيّة قيّومية لا يعقل معها الهزيمة فإنّها من الخلف.