بقوله جل شأنه : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً).
العاشر : يشمل قوله تعالى : (وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ) كلّ ما يشاء داود وأراده في امور الدين والدنيا من دون اختصاص بشيء خاص ، ولذا ورد في جملة من النصوص : «إذا ظهرت دولة الحق يحكم فيها بحكم داود ولا يسئل الناس البينة» ولعلّ ذلك لشمول حكم داود لجميع متطلبات الحياة ، ولغلبة الصدق عليهم وصفاء قلوبهم لا يحتاج إلى البينة ، ويستفاد ذلك من الآيات المباركة الواردة في شأن داود كما يأتي إن شاء الله تعالى.
الحادي عشر : الفرق بين الحكمة والعلم كما في قوله تعالى : (وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ) أنّ الأولى في كليات الأمور ، والثاني في الخصوصيات والجزئيات التي لا تختص بعصر دون آخر.
الثاني عشر : عن بعض المفسرين من الجمهور أنّ قوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) وما في سياقه من الآيات المباركة يدل على ما اشتهر بين بعض الفلاسفة في العصر الحديث من التنازع في البقاء ثم بقاء الأصلح واستشهد بقوله تعالى : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) [الرعد ـ ١٧].
وفيه أنّ الآيات الشريفة ليست في مقام بيان ما ذكره حتّى يصح التمسك بها في مقام الاستدلال والبرهان.
وأما أصل البحث أي : (التنازع في البقاء وبقاء الأصلح) فله وجه سواء لوحظ ذلك بالنسبة إلى قدرة الله تعالى ، أو بالنسبة إلى نظام الطبيعة :
أما الأول ـ فلما أثبتوه في محلّه من قاعدة «إمكان الأشرف فالأشرف» وقد فصّلوا القول في ذلك.
وأما الثاني ـ فلأنّ الدار دار الاستكمال والتعالي والترقي بالتجربة والحس ، فيثبت ذلك كلّه وهذا إجمال ما لا بد في شرحه من تفصيل المقال في محلّ آخر.