وفيه : أنّه خلاف المنساق من هذه الكلمة التي يستفاد منها أنّها علم لفرد خاص.
والتأييد : النصرة والتقوية ، وتأييد عيسى بروح القدس غير خلقه من نفخة روح القدس كما هو الظاهر ، فإنّ هذه النفخة كالمادة العاقدة في رحم مريم ابنة عمران ، والتأييد إنّما هو بعد الخروج من الرّحم.
وقد كرّر سبحانه وتعالى تأييد عيسى (عليهالسلام) بروح القدس في القرآن الكريم ثلاث مرات إحداها في آية (٨٧) من هذه السورة والثانية هنا ، والثالثة في قوله تعالى : (إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ) [المائدة ـ ١١٠] ، ولم يذكره تعالى في سائر الأنبياء حتّى في شأن إبراهيم (عليهالسلام) الذي هو مؤسس الملّة الحنيفية وصاحبها ، ولعلّ الوجه في ذلك أنّه تعالى حيث خلق عيسى من غير أب ، وهو خرق لنظام التكوين كرّر تعالى ذلك وصرّح باسمه لتثبيت القلوب وعدم المبادرة إلى جحود الواقع المحجوب ، كما كرّر عزوجل قصة خلق آدم (عليهالسلام) في موارد من القرآن الكريم ، فيكون التصريح باسمه (عليهالسلام) في المقام مع عدم ذكر غيره من الرسل ردا لما كان يفعله اليهود في تحقيره وما يعتقده النصارى في ألوهيته.
ثم إنّ التأييد بروح القدس أو غيره من الملائكة المدبرة لهذا العالم بإذن الله تعالى لا يلزم أن يكون بنحو الاتحاد أو الحلول ، بل يكفي فيه نزول شارقة من شوارق عالم الغيب على من أراد الله تعالى تأييده وهذه الإشراقات الغيبية مسخرات بأمر الله عزوجل وإرادته الكاملة التامة فلا تختص بحال أو زمان بل هي تدور مدار مشيئته عزوجل.
قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ).
فيه التفات من الإضمار إلى الإظهار ، لأنّه تعالى في مقام إظهار القدرة الأزلية ، وبيان أنّ الإرادة والمشيئة لا يغلبها شيء فهو عزوجل المهيمن على جميع الحوادث كلياتها وجزئياتها يحكم ما يريد ويقضي ما يشاء وفق الحكمة