المتعالية فهو الإله الذي لا يعجزه شيء ، ولذا أظهر في مقام الإضمار ، وعدل إلى الغيبة.
والمشيئة الإلهية تارة تكون حتمية وأخرى اقتضائية ، والأولى هي المراد في قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا) ، والثانية هي المراد في قوله تعالى : (وَلكِنِ اخْتَلَفُوا) وبذلك يرفع الجبر.
والمعنى : ولو شاء الله أن يلجئ عباده على عدم الكفر والعصيان وترك الاقتتال فهو المهيمن على جميع عباده القادر القاهر الذي لا يعجزه أحد ولكن اقتضت حكمته المتعالية أن لا يلجئهم على ذلك فقد خلقهم وأنعم عليهم بأنواع النعم ظاهرة وباطنة وميزهم عن سائر خلقه بالعقل وجعلهم أحرارا وأنزل عليهم البيّنات الواضحات ولكنّهم اختلفوا بعد وضوح الحق وبيان الرسل سبل الهداية لهم وإتمام الحجة عليهم فهم باختيارهم نبذوا الاتحاد الذي أراده الله تعالى وطرحوا السعادة التي كتبها عزوجل لهم.
قوله تعالى : (وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ).
أي : أنّ سبب الاختلاف كان من أنفسهم فمنهم من آمن إيمانا صحيحا. ومنهم من اتبع هواه وكفر بما جاء به النبيون وهذا الاختلاف إنّما هو لأجل اختلاف الاستعدادات اقتضاء كما هو سنته في خلق الأسباب في هذا العالم.
قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ).
أي : ولو شاء الله لخلقهم على فطرة واحدة وجبلهم على الاتحاد والمحبة ونبذ الاختلاف والاقتتال ، ولكن الله يفعل ما يريد حسب الحكمة البالغة التامة.
ويمكن التفرقة بين هذه الجملة وسابقتها بالاختلاف بحسب الحدوث والبقاء ، أو بحسب دفع الاختلاف قبل الفطرة بأن يجبرهم على الاتحاد أو بعد جعل الفطرة فيرفع عنهم الاختلاف ويلجئهم على الاتحاد.