الشريفة قال تعالى : (وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) [الأعراف ـ ١٣٥] ، والظاهر من الآية الشريفة أنّهم طلبوا شفاعة موسى (عليهالسلام) في رفع العذاب عنهم. هذا بالنسبة إلى الشفاعة التشريعية المتعلّقة بالثواب والعقاب.
وأما الشفاعة التكوينية ـ فإنّها واقعة في هذه الدنيا ولا يمكن إنكارها ، فإنّ الدنيا عالم الأسباب وقد ذكرنا أنّ الإيمان بالله تعالى والأعمال الصالحة وغيرهما من الأسباب إنّما هي شفعاء بين العبد وبين الله تعالى ويدل عليه قوله تعالى : (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً) [النساء ـ ٨٥] ، وتقدم ما يرتبط بذلك فراجع.
ومن ذلك رجوع أهل الإيمان إلى نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) وأولياء الله تعالى الذين لهم قدم راسخ في مراتب الإيمان فإنّ ذلك من الشفاعة عند الله تعالى لنيل المقاصد ونجح المطالب وليس من الشرك كما يدعيه بعض ، بل هما موضوعان مختلفان فإنّ إذن الله للواسطة ينفي الشرك ويسقطه بالمرة وهو يرجع إلى جعل من ارتضاه الله تعالى واسطة لأن يدعو في رفع العذاب كما تقدم في الآية السابقة من طلبهم من موسى أن يدعو في رفع العذاب عنهم ولا يتوهم المؤمن الذي يتوسل بالوليّ أنّ له جهة موضوعية في رفع المخاطر والأضرار أو في إتيان النفع وإلا فهو من الشرك في مرتبة توحيد الفعل الذي ينافي لا حول ولا قوة إلا بالله لا في مرتبة المعبودية حتى ينافي لا إله إلا الله ، وبينهما فرق كبير ، كما لا يخفى على الخبير ، فطلب الشفاعة ممن أذن له الله تعالى في الشفاعة ليس من العبادة له حتّى يشمله قوله تعالى : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر ـ ٣] ، وليس ذلك بعادم النظير ، فإنّ قراءة القرآن في شفاء مرض والتقرب به إلى الله تعالى والتّداوي بالأدوية التي خلقها الله تعالى لشفاء الآلام والأسقام وغير ذلك ليس من الشرك ولا يتوهمه أحد في ذلك وكذا في المقام ويأتي تتمة الكلام في الآيات