صرعى دون بلوغ مغزاها ، قد أدهش الأملاك جلالها فتراهم خاضعين لا يرفعون الرؤوس ، وحيّر الأفلاك فلا تزال تتحرّك شوقا إلى الاقتراب وكلّما تقترب ميلا تفر أميالا لشدة أشعة الجلال وعظمة الاحتجاب يحترق كلّ من دنا منها ، وماذا أقول في اسم هو حياة كلّ ذي حياة وقيوم كل ذي ذات ـ جوهرا كان أو عرضا ـ.
الثاني : يستفاد من قوله تعالى : (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) أنّ حفظ السّموات والأرض أعظم من إيجادهما فإنّ حفظ الشيء أعظم بكثير من إيجاده لأنّه يتطلّب جهدا أكبر فكم قد رأينا أنّ ملكا وصل إلى الملك ولم يقدر على حفظه وإبقائه فحرم من الاستمتاع به ولكن هذا غير متصوّر بالنسبة إلى الله تعالى فإنّه القادر القهار على جميع ما سواه حدوثا وبقاء إيجادا وإفناء ، فلا مضادّ له في حكمه ولا ندّ له في ملكه وقد جمع ذلك في قوله عزوجل : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ... وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما).
الثالث : يستفاد من قوله تعالى : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) تمام الإحاطة العلمية بالمخلوقات ، وأنّ جميع المتدرجات الزمانية بل الدهرية حاضرة لدى علمه عزوجل حضورا علميّا إحاطيا وأنّها كذرة فلاة غير محدودة.
والتدرج إنّما هو في مرتبة المعلوم بالعرض لا في مرتبة العلم الإحاطي الغيبي ، وأنّ غيب الغيوب حاكم على الشهادة بكلّ معنى الحكومة إيجادا ، وتقديرا ، وتدبيرا ، وإفناء ، وتبديلا لصورة إلى أخرى فهو المبدئ والمعيد والمصوّر لكلّ ما شاء وأراد.
كما يشمل قوله تعالى جميع الممكنات التي منها الإنسان من بدء حدوثها إلى آخر فنائها إذ لا معنى لمالكيته تعالى للسّموات والأرض وعلمه بها إلا ذلك فيعلم تعالى جميع ما يتعلق بالإنسان أنواعه وأفراده وجميع صفاته وحالاته وسعادته وشقاوته وأفعاله وأقواله حتّى خطرات القلوب ولمحات العيون.