الرابع : يدل قوله تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ) على أنّه تمتنع الإحاطة بعلم الباري تعالى إلا بمسمّى المشيئة ويستفاد منه أنّ كلّ علم يفاض منه تعالى على الممكن لا بد أن يكون محدودا بالمشية ، ولا يمكن للعقول درك خصوصيات المشية ولا الجهات المقتضية للإفاضة ، وإن كان يستفاد من قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) [البقرة ـ ٢٨٢] ، أنّ لحقيقة التقوى دخلا كبيرا فيها ، فإنّها توجب صفاء القلب واستعداده للاقتباس من الأنوار الغيبية فإذا انعكس شعاع الشمس على المرآة الظاهرية الجسمانيّة كيف يحتمل أن لا تنعكس الأنوار الغيبية الواقعية في المرآة الحقيقية الواقعية.
الخامس : يحتمل أن يكون متعلّق المشيئة الإحاطة ، كما يحتمل أن يكون نفس العلم ، ويحتمل أن يكونا معا وعلى أيّ تقدير لا يكون إلا بقدر القابليات والاستعدادات قال تعالى : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) [الرعد ـ ١٧] ، نعم لو فرض الفناء المطلق فيه جلّت عظمته بحيث تزول الاثنينية فهناك بحث خاص يقصر اللسان عن بيانه والقلم عن تحريره فإنّ جميع جهاته حاليّة لا أن تكون مقالية.
السادس : يستفاد من هذه الآية الشريفة ـ وما في سياقها من الآيات ـ أنّ المعبود بالحق لا بد أن يكون فيه هذه الأمور ، الحيّ ، القيوم ، لا تأخذه سنة ولا نوم وغيرها ، لأنّ هذه كلّها ذاتية له فيمتنع التخلف وتنحصر لا محالة في الله جلّت عظمته.
وما يتوهّم من أنّه يستلزم التركب في الذات الأقدس لا وجه له لأنّ جميع ذلك يرجع إلى سلب الإمكان والنواقص الواقعية والإدراكية عنه ، فتكون الذات بسيطة فوق ما نتعقله من معنى البساطة.
السابع : ظاهر نفي السنة والنوم عنه تعالى نفي حقيقتهما عنه مطلقا فيكون عدم الاختياري منهما عنه جلّت عظمته أيضا بل بالأولى ، كما أنّ مقتضى ذلك نفيهما عنه تعالى في الأزل والأبد لا أن يكون مختصا بوقت دون آخر.