يمكن تعقّل تكوين بلا مبدأ وهو مما لا بد منه في جملة الأصناف والأنواع فضلا عن النوع الأتم الذي هو الإنسان.
والموت إنّما هو قطع ارتباط بين الروح والجسد فيقع كلّ واحد منهما في المسير الذي لا يعلم حدوده وخصوصياته وسائر جهاته إلا الله تعالى المهيمن على الجميع ، ويستحيل أن يحيط المحدود بما هو غير محدود فردا وصنفا ونوعا وإن شرقت شارقة من عالم الغيب على قلب من يختاره الله تعالى لذلك ، فهو محدود تكوينا بقدر استعداده وليس الكتاب التكويني إلا مثل الكتاب التدويني الذي أنزله الله تعالى على قلب حبيبه (صلىاللهعليهوآله) وقال عزوجل فيه : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) [الإسراء ـ ٨٨] ، فكذلك الكتاب التكويني الذي أهم أوراقه بل جميعها المعاد وإنّما جعلت الدنيا مقدمة لشرح نظمه وصحائفه ، فكلّ من العالمين متلازمان تلازم الحاكي والمحكي فهو أصل الحقيقة التي يتفرّع عنها المجاز الذي هو الدنيا ـ بكلّ معنى المجازية ـ فهي مجاز باعتبار كونها معبرا ، ومجاز أي لا حقيقة لها. ومجاز أي لا بد من إيجاد وجه تناسب بينها وبين الآخرة كما هو واضح لذوي الفطرة المستقيمة والأذهان السليمة ، ولو نزّل الناس الدنيا من الآخرة منزلة اللفظ من المعنى لنالوا الحظ الأوفى والدرجة الأرقى ، ومن نزّلها منزلة القشر من اللب فقد حاز الدّرجات العليا.
ومن ذلك كلّه يعلم أنّ إنكار المعاد ليس إلا كإنكار الشمس التي هي وراء السحاب. وسيأتي في مستقبل الكلام تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.
الثاني : يستفاد من ظاهر الآية الكريمة أنّ طلب إبراهيم (عليهالسلام) كان لمشاهدة كيفية إحياء الله تعالى الموتى الذي هو من فعله عزوجل بجميع خصوصياته التي منها قبول الأجزاء المادية لإفاضة الحياة ويدل على ذلك أمور :
منها : السؤال عن الرؤية والمشاهدة وهي لا تتحقق بمجرد الاستدلال