يدل على أنّ القلوب الميتة إذا آنست مع الأنبياء العظام ومن يتلو تلوهم من أولياء الله تعالى تحيا حياة حقيقية طيبة ، ولعل ذلك أهم الأسرار في هذه الآية الشريفة فالمأنوسون مع خليل الرحمن مأنوسون مع الرحيم الحنان إذ لا واسطة في مقام الخلة.
الثامن : أنّ في قوله تعالى : (يَأْتِينَكَ سَعْياً) إشارة إلى أنّ التسخير التكويني الذي يكون بين المخلوق والخالق موجود بالنسبة إلى الخليل أيضا وهو إنّما يكون فوق الزمان ، والوارد في الآية الشريفة إنّما هو بلحاظ حال المخاطبين وحدود فهمهم والا فمقام الخلّة أجلّ من أن يحيط به الزمان.
ويستفاد منه أيضا ، أنّ الموجودات تسعى إلى امتثال أوامر وسائط الفيض الأقدس الإلهي ، فإنّ الجميع تسبّح بحمد ربّها ومسخرة تحت أمره.
ومن ذلك يظهر الفرق بين إحياء خليل الرّحمن (عليهالسلام) وإحياء عيسى (عليهالسلام) فإنّه لم يرد لفظ (بِإِذْنِي) في مخاطبة الله تعالى مع خليله تجليلا لمقام الخلّة وهو مقام صرف الفناء والوحدة فلا وجه لحظور جهة الاثنينية وإن كان في الواقع هو بإذنه بخلاف مقام عيسى (عليهالسلام) فإنّه ورد فيه لفظ (بِإِذْنِي) كثيرا وللكلام تتمة تأتي إن شاء الله تعالى.
التاسع : دعاء إبراهيم (عليهالسلام) للطيور إلى البروز إلى عالم الحياة بعد الممات في الواقع إنّما هو دعاء الرّب الجليل صدر على لسان عبده الخليل كما في قوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [الأنفال ـ ١٧] ، فيكون خليل الله تعالى وحبيبه محمد (صلىاللهعليهوآله) من مظاهر تجلّي الله جلّت عظمته قولا وعملا في النشأة الإنسانية ، وأقوى الروابط بين العباد وربّ البرية ، وأهم الأسباب في عالم الكون والفساد ، ولكن هناك فرق بين التجليين يأتي في الموضع المناسب إن شاء الله تعالى ذكره.
العاشر : يدل قوله تعالى : (ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً) على تجرد النفس وبقائها بعد فناء الجسم وتلاشي أجزائه وتبدّد أوصاله وقد تقدم في أحد المباحث السابقة الاستدلال على تجرد النفس فراجع.