القرآن الكريم إلا في ثلاثة موارد أحدها المقام ، والآخران في الطهور بالصّعيد قال تعالى : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) [المائدة ـ ٦].
ومادة خبث تأتي بمعنى الرديء المنفور ، والخبيث مقابل الطيّب وهو يعم الجواهر والأعراض والذوات قال تعالى : (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ) [إبراهيم ـ ٢٦] ، فيستعمل في الاعتقاد أيضا قال تعالى : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [آل عمران ـ ١٧٩] ، وفي الدعوات المأثورة «أعوذ بالله من الخبيث المخبث الشيطان الرجيم» فالمادتان في الخبيث والطيّب متقابلتان في جميع المراحل والصور والعوالم ، وفي أية نشأة وجدتا ، ويرجع ذلك إما إلى اختلاف الذوات أو إلى تقدير العزيز العليم ، لكن على نحو الاقتضاء لا العلية التامة كما ذكرنا مرارا.
والمعنى : لا تقصدوا الرديء المنفور مما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض فتخصّوه بالإنفاق وتعرضوا عن الطيّب.
قوله تعالى : (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ).
الواو للحال ، والجملة حال عن فاعل تنفقون ، والعامل فيه الفعل ، وأن في موضع النصب.
والآية المباركة ترجع الموضوع إلى وجدان المنفقين لتوضيح الأمر ورفع المغالطة في مصاديق الخبيث ولتثبيت الحكم والتحريض على ترك ذلك والتوبيخ لمن يفعله.
ومادة (غمض) تأتي بمعنى وضع أحد الجفنين على الآخر ، وتستعمل في التغافل والتساهل أيضا وفي الحديث : «أصبت مالا وأغمضت في مطالبه» أي : تساهلت في حلاله وحرامه ـ كما هو عادة أهل هذا الزمان ـ ولم تستعمل هذه المادة في القرآن العظيم الا في هذه الموارد.