يصيبها ضعف ولا فتور غالبة على قوى النفس والإرادة توجهها نحو الخير والسعادة وفي الحديث : «ما من آدمي إلا وفي رأسه حكمة إذا همّ بسيئة فإن شاء الله أن يقدعه بها قدعه» أي تمنع من هي في رأسه من السيئة بنحو الاقتضاء كما تمنع الحكمة الدابة.
ويوصف بها الله تعالى ، فإنّ من أسمائه الحسنى (الحكم) و (الحكيم) وقد ورد في أكثر من تسعين موردا في القرآن الكريم مقرونا إما بالعزيز والعليم أو الخبير أو العليّ ولعلّ ذلك لملازمة حقيقتها فيه تعالى لتلك الصّفات فجيء بها تبيينا وإيضاحا ، كما يوصف بها الإنسان قال تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) [لقمان ـ ١٢].
وإذا تتبعنا الموارد التي ذكر فيها الحكمة في القرآن الكريم نرى أنّها تذكر تارة مقرونة مع الكتاب قال تعالى : (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) [البقرة ـ ١٢٩]. واخرى بعد ورود جملة من الأحكام الشرعية التي نزلت لتهذيب الإنسان وسوقه إلى الكمال والسعادة كما في سورة الإسراء قال تعالى بعد سرد جملة كثيرة من التكاليف الإلهية والأحكام الفطرية : (ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ) [الإسراء ـ ٣٩].
ويستفاد من ذلك : أنّ الحكمة هي تلك المطالب الحقة التي ترتسم في النفس وتوجب التوفيق بين الاعتقاد والعمل والسوق إلى الكمال المنشود للإنسان ، فتشمل جميع الحقائق الفطرية والأحكام الشرعية والمعارف الحقة التي تتعلّق بالمبدإ والمعاد ، وتشرح الحقائق المتعلقة بالنظام الأحسن من حيث ارتباطه بسعادة الإنسان والتي لا تقبل الكذب والبطلان ، فتكون للحكمة مظاهر كثيرة متفاوتة فتارة تتجلّى في القرآن الكريم الذي هو مصدر كلّ ما يكون في العالم من أنواع الحكمة المتعالية وهي من أشعة هذا النور العظيم وشوارق ذلك النيّر المعظم ، تأخر زمان وجودها أو تقدم لأنّ القرآن من اللوح المحفوظ ، وهو محيط بهذا العالم ، كما أنّ الكتب الإلهية من مظاهر هذا التجلّي الأعظم.