والمراد بالهداية : هي الخاصة المنبعثة عن الفطرة التي فطر الناس عليها الموصلة للحق قال تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) [النّور ـ ٤٠] ، أو المراد درجات الهداية ومراتبها كما قال عزوجل : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) [محمد ـ ١٧] ، وقال تعالى : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) [مريم ـ ٧٦].
ويمكن أن يكون سياق هذه الآيات بعد رد بعضها إلى بعض سياق قوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [الأنفال ـ ١٧] ، وإذا لاحظنا هذه الآية الشريفة مع قوله تعالى : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) تصير النتيجة ليس عليك هداهم على نحو الإكراه ، ويكفي الإبلاغ والإنذار ، وقد حصل كلّ منهما ، فتشمل الآية جميع موارد الهداية ومتعلّقاتها من الإنفاق وغيره ولا دليل على التخصيص ، فيكون المعنى ليس عليك هداهم أي : إيصالهم إلى المطلوب لأنّ النبوة والرسالة إنّما هي الإبلاغ والبشارة والإنذار ولكنّ الله يهدي إلى المطلوب من يشاء بالتوفيقات الخاصة والعنايات المخصوصة بنحو الاقتضاء لمن يرى فيه الصلاحية فيوصله إلى المطلوب وهذه قضية عقلية تشهد على صحتها التجربة أيضا ويؤيدها النقل.
ثم رجع سبحانه إلى خطاب المؤمنين وأرشدهم إلى الإنفاق الصحيح وبيّن لهم الوجه في الإنفاق ب :
قوله تعالى : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ).
التفات إلى خطاب الناس أو المؤمنين ليبيّن الباعث في الإنفاق وهو أمر فطري يبينه القرآن الكريم حثّا عليه ولذا كان الكلام خاليا عن أيّ من فنونه كالتبشير والإنذار ونحوهما.
والخير في المقام : ما كان من الطيب أو ما قصد به وجه الله تعالى.
أي : ما تنفقوا من خير فنفعه يعود إليكم والله تعالى منزه عن الانتفاع بما تنفقون ، ويمكن إقامة الدّليل العقلي على ذلك فإنّ نفع الإنفاق إما أن يرجع إلى الله تعالى أو إلى غير المنفق أو إلى نفس المنفق ، والأول مستحيل ، لأنّ