بطلان هذا القياس الذي هو خلاف المعروف في باب الأقيسة أيضا.
ومما ذكرنا يظهر الوجه فيما ذكره بعض آخر : من أنّ التشبيه بين البيع والربا إنّما هو لأجل أنّهما مشتركان في الكسب والفائدة ولكن في الربا واضح معلوم وفي غيره موهوم.
قوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا).
جملة مستأنفة أو حالية تدل على رد مزاعمهم الفاسدة. والبيع معلوم عند العرف وقد أحلّه الله لأنّ فيه الحكم والمصالح التي يستفيد منها النوع ، وبه ينتظم الاجتماع لشدة الحاجة إليه ، وفيه تحفظ مالية الأموال ويستفيد المالك ما يقابل ملكه وتتحقق به رغباته فهو قائم بالعدل ، فتكون حلية البيع موافقة للفطرة المستقيمة وسنة الاجتماع.
وإنّما حرم الربا لأنّه مبنيّ على الإجحاف والظلم والابتزاز وسد باب المعروف وكلّ واحد من ذلك يكفي في اعتبار الربا مخالفا للفطرة والاستقامة في الحياة ، فتكون الأحكام الإلهية مبتنية على الحكم والمصالح التي تجلب السعادة للإنسان في الدارين ويدل على ذلك القرآن الكريم والسنة الشريفة بل العقل أيضا وسيأتي في الموضع المناسب تفصيل الكلام فيه.
والآية الشريفة غير مسوقة لتشريع حكم ابتدائي في البيع أو الربا بل سياقها يدل على الإخبار عن حكم سابق فيها كما عرفت سابقا ، ولبيان خبط أفكارهم فإنّ الأمر لو كان كما يقولون لما اختلف حكم البيع والربا ، فيلزم إمّا بطلان حكمة الحكيم وهو محال أو بطلان زعمهم وهو معلوم وتوطئة لما يأتي من الأحكام.
قوله تعالى : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ).
الآية الشريفة تفتح أعظم أبواب رحمة الله جلّ جلاله وأوسعها وهو باب التوبة ، ومفادها بيان حكم كلّي في كلّ معصية وهو أنّ الحكم إذا كان مشروعا وخالفه المكلّف بعمده واختياره يوجب العصيان واستحقاق العقاب ، فتجب